أتأمل في أيام الحياة وأستذكر مآل المرء وإن طال به العمر فإذا بالحياة مجرد محطة مليئة بالأحداث تنبه الفطن إلى ذلك المصير المحتوم، وتسير مع الغافل إلى الحرمان والغاية المجهولة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أبشروا وأملوا ما يسركم،

فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم» متفق عليه. موعظة نبوية حكيمة تنبض كلماتها في واقع حياتنا الذي نعيشه، ركون واستئناس وانجراف مع لهو الحياة، واستمتاع غير متوازن مع متع الدنيا، نحب الدنيا والحياة بأسلوب لا يحقق لنا مقصود الوجود وينتفي معه حكمة الاستخلاف. يمضي قطار العمر ولم ننتبه بأن الدنيا بكل صورها إنما هي مطية الآخرة.. فهلا انتبهنا للأعمال قبل فوات الأوان؟ وهل اتعظنا بصور الحياة وأحوالها حتى نزيل غبار الغفلة ونصحح من حب الحياة بلا اتزان؟

بلا مؤشرات ولا سابق إنذار يرحل من حياتنا تلك النفوس الطيبة التي رسمت في جدراننا أجمل الصور بجمال أخلاقها ونقاء قلوبها.. فإذا بها ترحل وتبقى الذكريات في الوجدان.. يرحلون لتبقى في حياتنا بعض المساحات الخالية التي نستذكر فيها عطاء الحياة معهم.. يرحلون ويتركوا من ورائهم تلك السطور المؤثرة التي نزعم أننا نفهم مغزاها.. ولكن مع الأسف الشديد هكذا نقابل أحداث الرحيل.. مجرد تأثر لفترات وجيزة نستذكر أثرهم ثم نمضي من جديد نحب الحياة كما نعتقد.. والحقيقة التي عجزنا أن نستوعبها جيداً مهما مرت بنا الأيام فإنما الحياة قصيرة.. وبعدهم سنرحل بقصة جديدة تروى للأجيال.

ولأن الحياة القصيرة فمن غير المستساغ أن نترك أوقاتها تسرح في عالم الضياع والمجهول، وتغوص في تلك المهاترات العنيفة التي تزلزل الكيان النفسي وتدمر تلك اللمحات الجميلة التي اعتدنا أن نستشعر أحاسيسها في أيام أعمارنا. من غير المعقول أن تتأثر نفوسنا في أوقات الحياة القصيرة بذلك الإيذاء النفسي الذي يمارسه البعض في حياتنا، ويتفنن في النيل من نجاحاتنا بأسلوب شيطاني مريب، تأنف من أن تعود إلى مساحات التفاعل معه من جديد، لأنك أحسست إنما تضيع عمرك في تصادم حياتي يشغلك عن صورة الجمال التي رسمتها.

إنك تعيش في محطة عابرة لا بد أن تلتفت فيها للمحاذير وتتجنب الوقوع من جديد في تلك المطبات المؤذية.

ما زلت أتأمل وأتامل في كل يوم أتنفس فيه أجواء هذه المحطة العابرة.. فأقرر أن أكتب صفحة جديدة كما اعتدت كتابتها في فصول المسير، أستزيد فيها من زاد الآخرة ما يعينني على قضاء واجبات الحياة. فمع كل رحيل موجع وكل موقف يمر يزداد يقيني بضرورة أن أكون في حضن «السلام الإيماني» في نفسي قبل الآخرين.. لأني من أشتري راحتي وأصنع منزلتي في الآخرة، فلا أسمح بكائن من كان أن يبعثر أوراق النجاح التي أعددتها طيلة حياتي، أو يعبث بمساحات الأمان في نفسي فلا أكرر معها تلك المواقف العابثة التي أوقفت ـ لربما ـ بعض خطوات النجاح المرجو. فإن ترجموا أفعالهم بحجة وقوفهم بجانبك في الطريق، فلا تصغي حينها لأحاديثهم لأنهم باختصار «معول هدم» لأوقات الحياة. وحينها كن أنت المنقذ لنجاحاتك وصنائع الخير التي يجب أن لا تقبل لكائن من كان أن يؤثر عليك من جديد لتواصل الخير.. كما كنت وستبقى.

ومضة أمل

مع كل تعثر في المحطة العابرة، تحتاج لاستراحات التأمل والاستزادة الإيمانية، وإخفاء تلك الأسماء المؤذية من قاموس حياتك، حتى لا تتأخر عن إنجاز الحياة.