لم تكد تمر أربع وعشرون ساعة على الجريمة النكراء التي حدثت في مدينة نيس الفرنسية وأودت بحياة نحو تسعين شخصاً وجرحت ضعف هذا العدد بطريقة بشعة ليس لها مثيل في التاريخ، حتى جاءت الأخبار من تركيا معلنة عن محاولة للانقلاب على نظام الحكم أودت بحياة أكثر من ستين شخصاً، وكأنه تقرر على سكان الأرض ألا يمر عليهم يوم هادئ أو حتى دقيقة ينعمون فيها بشيء من الهدوء أو حتى للقيام بعمليتي الشهيق والزفير بارتياح وإن في أجواء ملوثة. فإذا أضيف إلى كل هذا ما هو جارٍ في سوريا والعراق منذ سنين، وما هو جارٍ في ليبيا واليمن ولبنان، وما يجري أحياناً في خليجنا، فإن الأمر يبدو وكأنه أوكل بشخص ليمنع الأحداث عن التوقف كذاك الذي يرتدي ثياب المهرج في السيرك ويقوم بتحريك الصحون المثبتة على العصي والاستمرار في تحريكها وملاحظة كل صحن يتباطأ فيحرك العصا كي يستمر الصحن، كما الصحون الأخرى، في الحركة.
اختلطت الأمور إلى الحد الذي صار أمراً عادياً أن يختلف أي اثنين في ماهية «داعش» ومن يقف وراءه أو وراءها، بل صار الاختلاف في تصنيف مفردة داعش نفسها أمراً عادياً، هل داعش ذكر فيقال أعلن وفعل وذبح، أم أنثى فيقال أعلنت وقالت ونحرت؟ هل داعش دولة أم عصابة ؟ أم هي – أو هو – مجرد عصا في يد هذه الدولة أو تلك تستخدمها لتحقق أهدافها ؟
لم يعد أحد يعرف ماذا يجري ولماذا يجري وكيف يجري، لكن الجميع صار يرى بأم عينيه كل هذا الذي يجري وما ينتج عنه من أخبار ملخصها أنه قتل هذا العدد وجرح هذا العدد وتشرد هذا العدد، حتى أن الكثيرين صاروا يعتبرون ما يجري وما ينتج عنه علامة يستدل بها على أن القيامة قد قربت، فالعالم في تناقص مذهل.
في نفس اليومين اللذين شهدا الحدثين البليغين في فرنسا وتركيا شهدت سوريا والعراق وليبيا واليمن على وجه الخصوص أحداثاً مؤلمة أدت إلى فناء الكثير من الأبرياء، وشهدت مناطق أخرى في العالم أحداثاً أخرى أكثر أو أقل قسوة راح ضحيتها كثير من الأبرياء. هل جن العالم ؟ هذا سؤال صار يشغل بال كل عاقل، بل صار يشغل حتى بال المجانين. هل يعقل أن الأمور في كل مكان وصلت إلى حد صار معها من الصعب توظيف العقل للتعامل معها والخروج بنتائج خيرة يعود نفعها على البشر؟ أما بالنسبة لأهل البحرين ثم سؤال آخر يشغلهم وهو هل أن ما يجري ويتطور ولا يراد له أن ينتهي هدفه إضافة رقم جديد إلى قائمة الدول العربية التي صارت تعاني من كل هذا الذي يجري؟ وهل يراد للبحرين فعلاً أن تكون مفتاح الدخول إلى دول مجلس التعاون للسيطرة عليها بعد تحويلها إلى ساحات يعبث فيها الإرهاب؟ هل يراد من «صحوننا» الخليجية الاستقرار على رؤوس العصي ليتم تحريكها كما يتم تحريك صحون السيرك التي لا تتوقف عن الحركة وإن هدأت تم شحنها من جديد ؟
بعيداً عن الأفكار والتحليلات الميتافيزيقية والماورائية والبعيدة عن الواقع والتي يرتاح البعض من الإبحار فيها يمكن القول إن عملاً معيناً قد خطط له في الخفاء من قبل الدول العظمى غايته إعادة رسم المنطقة بأكملها بغية التحكم فيها بطريقة أسهل ، طريقة ذكية، غير مكلفة ولا تضطر تلك الدول ولا الأمم المتحدة وممثلها التعبير عن قلقهم في كل ساعة وحين.
غالباً فإن أحداثاً مؤلمة ملأت الفارق الزمني بين محاولة الانقلاب في تركيا ولحظة قراءة هذا المقال.