«ليس كل مرض يكون علاجه نفس الدواء»، كما أن هناك أمراضاً من الواجب تغيير نمط العلاج لها وتلك «فلسفة التشافي» فهناك أيضاً قضايا في المجتمع ومشكلات لا ينبغي التعامل معها بنفس الآلية التي قد نتعامل معها في ملفات وقضايا أخرى.

هناك أمور تحصل من الواجب معالجتها منذ البداية بحزم حتى لا تتفاقم وتتحول لظاهرة أو كارثة بحيث يصعب لاحقاً السيطرة عليها، ففي أي دولة في العالم تعتبر الأمور الأمنية والجرائم الإرهابية وردود فعل الرأي العام الهائجة والانقلابية مثلاً أموراً لا ينبغي المجازفة بتركها عائمة «بالبركة» دون علاج بل من الواجب التعامل معها فوراً، الأمر نفسه يتعلق بأي قضية مجتمعية حساسة تحمل أبعاداً أمنية وسياسية وإرهابية، رب البشرية سبحانه جعل حكمة وعبرة في خلقه، أن تفسد برتقالة واحدة.. برتقالة واحدة فقط يعني إفساد صندوق البرتقال كله إن تركت فيه دون أن تزال وتقتلع، هو عندما خلق هذه الطبيعة سخر فيها من الحكم الكثير بل وأوجد فيها معادلات ومخلوقات لا تراها العين المجردة واجتهد كبار العلماء في تفسيرها قروناً طويلة، هناك أيضاً قضايا في مجتمعاتنا من المحال أن تراها العين المجردة بل تحتاج عقولاً تتأمل وتستوعب حكمة الله وتدابير شرعه فيها.

لذا نقول لمن لا يؤيد تداول ملف «الدعارة» الذي سيناقشه مجلس النواب اليوم بشأن سياسة الحكومة في مكافحة الظواهر غير الأخلاقية في البحرين حكمة رب العالمين وشرعه سبحانه أم منطقك محدود المدى؟

هناك علامات استفهام نود طرحها من خلال منبر الصحافة على من يهمه الأمر ونتمنى من النواب الاجتهاد في محاولة التحصل على إجابتها: من المستفيد من وراء تفاقم هذه الحالات حتى تجاوز الحد من اقتصارها على الأجانب إلى أبناء هذا الوطن الشريف؟ ما نوعية المصالح بشأن من يعارض تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي تحتاج لضوء قوي يكشف عتمة السواد التي يكتنفها؟

لنعود إلى ذاكرة الوطن وفترة التسعينات، ألم تخرج أصوات أمام خطوات الدولة الحازمة تجاه إرهاب «السلندرات» والحرائق وقللت من شأن هذه الأحداث وأخذت تقول هذه المصطلحات «إلا جهالو.. إلا طيش شباب .. إلا حالات فردية؟» اليوم ونحن في عام 2017 ماذا اكتشفنا وكل يوم تفاجئنا الجهات الأمنية بأخبار القبض على خلايا إرهابية خطيرة تود إزهاق الأرواح وخرق استقرار وأمن الوطن! هذه الخلايا ألا تضم أبناء الوطن الذين غرر بهم وأخذوا إلى معسكرات تدريبية في العراق وإيران وسوريا للتدريب فأصبحوا أكثر تبنياً لهذه الأجندة من قادتها؟

كيف وصلنا من تلك المرحلة التي استهان بها البعض، أي مرحلة «السلندرات» غير المؤذية إلا بالصوت والتلوث البيئي الذي تسببه، إلى مرحلة الإرهاب بالقنابل والكلاشينكوف؟ كيف تفاقمت الأمور لدينا بحيث وصلنا لمرحلة نرى فيها ابن الوطن يقتل ابن وطنه وهو من يؤسس الأجندة الخارجية الدخيلة على مجتمعنا المسالم المتسامح؟ هل هناك نظرة بعيدة المدى تفطن أن الأمر ذاته قد يكون مع هذا الملف الحساس؟ الدعارة اليوم كما «السلندرات» في الماضي التي كانت في فترة التسعينات مؤشراً ومنبهاً عن مخطط إرهابي مستقبلي يستهدف البحرين فترتها.

ظاهرة الدعارة بالمناسبة تلوث مجتمعي خطير والتلوث لا يترك دون تنظيف ودون معالجة عميقة، ليس كل فيروس يترك على أمل أنه غير معدٍ أو أنه اختياري لن يصيب إلا مجموعة من الناس، هذا التلوث غير المرئي باب للاختراق الأمني لمجتمعنا خاصة وأن موجه العاتي قد بدأ يضرب بعض منازل المواطنين وحتى وإن كانت حالات فردية، اليوم 200 وغداً 2000 وبعدها كم؟ هل حاول أحد دراسة هذه الحالات وقدم ضمانات بألا تتفاقم لمستوى الظاهرة «رغم أننا متأكدون أنها تقترب من مرحلة الظاهرة وستكون ظاهرة بعد سنين من الآن».

من علامات الاستفهام الأخرى التي نطرحها: من يقف وراء فتح شقق في دولنا لممارسة الاتجار بالبشر؟ ما هي انتماءاتهم وارتباطاتهم وحتى أصولهم؟ من أين جاؤوا؟ هل يتحدثون العربية أم لغات أخرى؟ هل عندما أخذوا يمارسون هذه التجارة المفسدة اهتموا بجعلها تقتصر فعلاً على الأجانب أو أخذوا يركزون على بنات الوطن والعائلات؟ والسؤال الأهم لماذا بعضهم عندما يجرجر فتاة من عائلة بحرينية يهتم بها أكثر من غيرها ويسعى لأن تكون هي الأخرى لها تجارة فيه إن كانت تجارتهم فقط تختص بالدعارة لا أمور أخرى؟

أعزاءنا النواب، لقد أصبتم كبد الحقيقة عندما ذكرتم أن من يمارسها ثلة فاسدة دخيلة على مجتمعنا البحريني، ولكن هل تضمنون لنا كمواطنين أن أجندتهم هذه فقط هي أجندة غير أخلاقية ليس لها بعد أمني وسياسي؟ هل تضمنون لنا أن أجندتهم لا تكون وباء علينا يمرضنا جميعاً؟ هل تضمنون لنا ألا تكون هذه الأجندة كمثل الأجندة الإرهابية التي نعاني من ويلاتها اليوم؟

عندما يكثر الفساد يأتي العقاب الرباني، نحن مجتمع إسلامي بالنهاية فلنقم حدود الله درءاً لغضبه وبلائه.

* إحساس عابر:

عندما ترى أن هناك من يحاول خرق أحد المواقع في مركب وطنك فلا بد أن تتدخل وتشير إلى أن هناك مدخلاً من الممكن أن يسمح للعدو باختراقنا أو إغراقنا في المشكلات المجتمعية، فيما علامة الاستفهام يجب أن تطرح حول الشخص الذي يحاول منع صوتك من الظهور، لذا من يلح مستمراً في معالجة هذا الملف قلبه على وطنه وأهل وطنه، ومن لا يريد علاج هذا الملف أو يعرقل حله ويسعى لتكميم الأصوات التي تسلط الضوء عليه لا بد أن تكون عليه ألف علامة استفهام ولا بد أن تراجع حقيقة انتماءاته!