في البداية، نشدد على أننا مع أي قانون يحفظ حياة الناس وينظم حركة سيرهم، آمناً لهم في ذلك حمايتهم من التصرفات الطائشة التي تصدر من فئة تستهتر في سلوكيات القيادة، ونشكر في ذلك الإدارة العامة للمرور التي تمكنت بفعل نظام قانون المرور الجديد من تخفيف الحوادث المرورية القاتلة.

لكن ما نود بيانه، عندما تأتي بقانون جديد لتطبقه على الناس عليك أولاً أن تتأكد أن القانون هذا الذي وضع سيضمن لك ردع المخالفين فعلاً، لا أن تجعل الجميع من فئة المخالفين! وأن يكون القانون الجديد جزءاً من حل المشكلات المرورية، لا أن يتسبب لهم بمشكلات وطامة كبرى! بعبارة أخرى لا أن يعالج سلوكاً مرورياً خاطئاً كتجاوز الإشارة الحمراء مثلاً فيقل عدد حوادث ما بعد الإشارة الحمراء، ومقابل ذلك يدفع لتزايد عدد الحوادث المرورية قبل وعند الإشارة الضوئية بسبب «البريك» والتوقف المفاجئ للسيارة عند «انطفاء» الإشارة الخضراء لتصدمها السيارة التي وراءها من الخلف! لا أن يتسبب لهم بمشكلات مرورية في جوانب أخرى عديدة كما يحدث اليوم. فمثلاً أن يكون هناك شرطي مرور يحاول تصيد أكبر عدد من المخالفين لإيقاف السيارة الخاطئ في منطقة الحصول فيها على موقف للسيارة مثل الحصول على إبرة وسط كومة قش، مما يؤدي إلى أن يضطر الناس في ذلك أن يأخذوا معهم أحداً في السيارة فيترجل منها من يريد أن ينهي عمله في تلك المنطقة، في حين يقوم الآخر بالذهاب والإياب المتكرر كونه ينتظره نظراً لعدم وجود موقف للسيارة، مما يتسبب بازدحام خانق وشديد وارتباك في عملية السير المرورية، فبذلك أنت هنا عالجت مشكلة في جانب وتسببت مقابل ذلك بعدة مشكلات للناس!

إن كان القانون الجديد قد جاء لتخفيف الحوادث القاتلة فمن هذه القاعدة يجب أن تكون انطلاقة كبح المخالفات، لا أن يكون هناك قتل لأعصاب المواطن في جوانب أخرى، كالتسبب بازدحامات مرورية خانقة نظراً لخشية المواطنين من التوقف في أي بقعة أرض «فاضية» خوفاً من مخالفة التوقف الخاطئ وقتل مدخوله الشهري بقيمة مخالفات مرورية تستنزف جيبه بالكامل، والتركيز يجب أن يكون على فئة المستهترين بأرواح الناس في الشوارع العامة فيما يخص قضية السرعة الجنونية، لا أن يشمل ذلك معهم حتى أولئك المنضبطين في السياقة ولكن مخالفاتهم المرورية تراكمت بسبب تجاوز السرعة المحددة بقليل أو إيقاف سياراتهم في مواقع حيوية أو سكنية لا توجد فيها أساساً مواقف للسيارات إلا بعدد محدود!

الكثير من المواطنين اليوم يتذمرون بسبب قيمة مبالغ المخالفات المرورية المتراكمة عليهم التي تفاجؤوا بها.. حتى لو كان الرد أنه كان هناك تنبيه ببدء تطبيق قانون المرور، من حق المواطن في أي دولة في العالم عندما ترصده كاميرا المرور أن يستعلم عنها ويبلغ، لكن أن يكتشف ذلك صدفة وتتراكم ككرة الثلج عليه وهو لا يدري أو يظل كل فترة يراجع موقع المخالفات ليتأكد، فهذا غير منطقي أبداً! «يعني معقول كل يوم يرجع فيه من الخارج ما عنده شغله غير فتح موقع المرور للتأكد أنه لم ترصده أي كاميرات أو مخالفات؟».

وإن كان الهدف تقليل الحوادث المرورية الناجمة عن السرعة فنحن معهم ونشد على أياديهم، ولكن لا يعني هذا أن نجد شوارع عامة أو شوارع ذات مسارات سريعة «هاي وي» تحدد السرعة فيها على 80؟ هذا غير منطقي كما من غير المعقول أن نجد شارع «هاي وي» في بدايته السرعة تحدد 100 ثم 80 ثم 100 ثم 80! هل المواطن هنا سيركز على الشارع أم على إشارات السرعة التي عليه أن ينتبه لها باستمرار حتى لا تلتقطه كاميرا السرعة؟ ثم الطرق السريعة المفترض أن تكون 100 فما فوق!

شباب في مقتبل العمر وصلت قيمة مخالفاتهم ما بين 900 إلى 5000 دينار، وأرملة مطلوب منها سداد مبلغ 2500 دينار. منطقياً هل المواطن البحريني راتبه يتحمل هذه المبالغ، هذا إن كان مجموع راتبه بالأصل يصل إلى 900 دينار! هل معنى ذلك أن المواطن البحريني سيجد نفسه أمام خيار إما الاقتراض أو الدخول في «جمعيات» لتسديد كل هذه المبالغ؟ يبدو أن هناك حاجة لإطلاق بنوك مرورية أشبه بالبنوك الربوية أو الإسلامية تختص فقط بتقديم عروض وأقساط مريحة عن كيف يسدد المواطن البحريني مخالفاته المرورية؟!

النتيجة التي وصلنا إليها اليوم بعد تطبيق قانون المرور الجديد في مملكة البحرين، حيث أصبح عند كل مواطن فاتورة متراكمة من المخالفات المرورية، مؤشر يعكس لنا أن المشكلة ليست عند عموم السواق البحرينيين، بل عند البنية التحتية والتخطيط المروري السليم الذي يجب أن يضمن القدرة على التمييز بين فئة المستهترين في السياقة وفئة الملتزمين الذين يحترمون سلوكيات القيادة الآمنة، وأن هناك حاجة فعلاً لإعادة النظر في السياسة المرورية في مملكة البحرين أمام مسلسل الاستياء والحنق المتزايد عند المواطنين.