مـن الله عليها بأداء فريضة الحج وهي غير محجبة، وبعد عودتها من الحج ورغم أن الفكرة لم تكن ببالها إلا أنها شعرت أنها تعودت على ارتداء الحجاب فقررت أن تلتزم به للأبد.

تقول لصاحبتها: «إذا أردتِ أن تعرفي الله قبل حجتك فلا بد أن يكون هناك تغيير في حياتك بعد عودتك من أداء الحج، ليس شرطاً يكون تغييراً بالكامل إنما تغيير في بعض الطاعات والعبادات والالتزام كأن تكوني غير محجبة فتتحجبين أو تتركين التساهل في بعض الأمور كأن تلتزمي بأداء صلاة الفجر يومياً في وقتها والتي كنتِ تنامين عنها سابقاً، لا بد أن تستشعري أن الله قد غيرك من حال إلى حال آخر.

ما قالته يعرف بالحج المبرور وهو الحج المقبول الذي يبين علامات قبول الله له في حياة العبد بعد انتهائه من أداء فريضة الحج والقبول لا يأتي إلا بعدة شروط، منها البعد عن المعاصي والآثام ومبطلات الحج، حيث قيل عن الحج المبرور إن الحاج يرجع خيراً مما كان ويترك ما كان عليه من التفريط والتقصير والمعاصي وأن يبدل أصحابه الباطلين بإخوان صالحين ويستبدل مجالس اللهو والغفلة بمجالس الذكر واليقظة، كما قيل إن أعظم ما يتحقق به بر الحج الإكثار من أنواع الطاعات.

المسلم يجب أن يستلهم من فكرة الحج المبرور أن رمضان يحمل أيضاً كنز الصوم المبرور وهو محطة تقييم له ولعلاقته بربه وإيمانه به.. عليه بمراجعة إن كانت طاعاته وعباداته مبرورة أو أنها تأتي شكلية ومن باب أداء الواجبات الدينية لا أكثر دون روح تستلهم الخير منها وتنشد القبول وتتشرب الطاعة.

فرق كبير بين من يؤدي صلاته لأجل أن ينتهي منها وبين من ينتظرها ويخشع فيها لأنه يقف بين يدي الله وينشد قبوله لصلاته وأذكاره، فرق كبير بين من يصوم «فيصوم بعضه» فيمتنع عن الأكل والشرب فقط وبين من يصوم «فيصوم كله» فيمتنع عن كل ما يجرح صيامه وكل ما يبعده عن أجر الصيام ومنافع خيره.

أن يمد الله في عمرك لتشهد رمضان ذلك رزق حرم منه الكثير لمن يتأمل اختيار الله للكثير من الشباب قبل كبار السن في رمضان، أن تشهد رمضان كاملاً بالليالي العشر تلك مكرمة حرم من هبتها الكثيرون الذين توفاهم الله دون أن يشهدوا أجرها العظيم، مروا عابرين ورحلوا عابرين دون أن يشعروا بأن الله من عليهم بنعمة قبول الطاعات فغير حياتهم من حال إلى حال أفضل، هذا الرزق يحمل خيراً عظيماً لمن يتأمله، وعلى المسلم الفطين أن يتأمل حياته من رمضان الذي مضى به قبل عام إلى رمضان الحالي.

هل هناك عبادات جديدة أخذ يلتزم بها المسلم من رمضان الماضي إلى رمضان الحالي، وقد كان قبل ذلك لا يعرفها؟ هل هناك تغيير طرأ عليه فيما يخص علاقته بربه فأصبح أكثر قرباً منه؟ هل التزم أكثر أو ابتعد؟ هل إيمانه زاد وبصيرته الدينية زادت أم أنه لم يعد يدرك من بواطن الأمور والقضاء خيره وشره؟ هل بدأت طاعات جديدة يميل المرء لأدائها أكثر؟ هل هناك تغييرات في سلوكه وتصرفاته وتعامله مع الآخرين؟

ليسأل كل واحد منا نفسه، ما الإضافة الدينية التي دخلت حياته من رمضان الماضي إلى رمضان الحالي؟ هناك من تكون إضافته الدينية أن يلتزم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر «الأيام البيض»، وهناك من يصوم كل إثنين وخميس أسبوعياً، وهناك من تكون إضافته قيام الليل أو ختم القرآن شهرياً، بل هناك من يمن الله عليه بترك المسكرات أو التدخين أو الملهيات، بل بعض الإضافات الجديدة في حياة المسلم والنعم التي تأتي من كنوز العبادات، أن يذهب عنه أصدقاء النفاق والسوء وأن تكشف له سوءتهم ويدخل في حياته الصالحون الأوفياء.

تلك العلامات ترشد المسلم إلى أن الله يرزق العبد فطنة التزود بعبادات ترافق أيامه وسنينه ويسخر له التوفيق فيها وينور له دروب خيرها واغتنام كنوزها، رب العالمين لا يمنح هذه الهبة إلا لمن يحبه من عباده ويرزقه قربه وحب طاعته، فيجعل الله له حياة أفضل مما كانت ويبدل في تصرفاته وحياته لمزيد من الخير والتوفيق «أن تتبع الحسنة بالحسنة» قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام «الصلاة إلى الصلاة ورمضان إلى رمضان والحج إلى الحج مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر».

رمضان زائر يحبه الجميع.. نشعر ببركة أيامه قبل قدومه حتى لما يحمله شهر شعبان من كنوز الحسنات والأجر، والمسلم الفطين سيدرك بعد رمضان أن كان الله قبل صيامه وعباداته وأراد له تغييراً نحو الأفضل.

رمضان ينبغي أن يكون محطة سنوية لكل مسلم، ولا نقصد بذلك يكون محطة في مضاعفة العبادات خلال أيامه فقط، إنما محطة لتقييم عباداته وطاعته طيلة السنة التي مضت عليه والسنة القادمة ومراجعة حياته ومكاشفة نفسه إن كانت عباداته مبرورة أم شكلية؟