لا يوجد خير يضيع.. إن ضاع في الأرض فهو محفوظ لك في السماء.. افعل خيراً وارمه بحراً.. سترده لك أمواج الزمن يوماً أضعافاً مضاعفة.. تلك فلسفة الخير وكذلك الشر في الدنيا.. لا يشترط أن تنال حصيلة الخير أو الشر في الدنيا بالكامل بل هناك ما هو محفوظ لك لدار الآخرة، لذا نجد البعض لا يفقه هذه الحكمة ويظن أن من يفعل خيراً ويلقى شراً أن نيته لم تكن خالصة لوجه الله سبحانه..

هناك أيضاً من يحتار في رؤية من يصنع شراً لا تجازيه الأيام ولا يعاقب، ويهمل مبدأ لو كانت الدنيا هي محكمة الآخرة لما وجد يوم الحساب ولما وجدت الجنة والنار.. هناك خير مخبأ لك في السماء كرصيد ينفعك في دار الآخرة وأفضل الأعمال هي تلك التي يحفظها الله لك ليجازيك عليها بالآخرة.. كذلك هناك رصيد للشر محفوظ عند الله سبحانه يزداد مع مرور الأيام ويثقل بالسيئات بلا انتهاء!! لذا يقال عن أي شخص سيئ عندما يمرض قبل رحيله أو تقع عليه كوارث ومصائب «الله خفف عنه ذنوبه.. الله حاب يطهره من الخطايا!».. أحد القراء يقول لنا «اهتمي بوضع مقالات عبارة عن «سندويشات صغيرة» للناس عوضاً عن الوجبات الرئيسية للقضايا».. وهنا نحن نستكمل مقالنا المنشور في الجمعة الماضي.

«3»

في زمن كان الناس ينامون فيه على «أسطح المنازل» قبل وصول اختراع المكيفات سمع الجيران صراخها العالي.. كانت مريضة وعلى فراش الموت لكن صراخها كان مرعباً وكأنها تهلوس أو ترى شيئاً لا يراه غيرها! كانت تقول لمن حولها وهم يسألونها عما يؤلمها «إنها ترى شيئاً يعذبها لن يشعر به أحد غيرها!!» إحداهن كانت تعرفها جيداً فهمت ما يحصل معها.. فهذه المرأة كانت شريرة وآذت كل أهل منطقتها بعمل الأسحار والطلاسم.. كانت يومياً تهتم بدخول المنازل خلسة وسرقة آثار أصحاب المنازل من ملابس وبقايا شعر وما إلى ذلك حتى نبذها الجميع وباتوا يخشون رؤيتها.. كثيرون هدمت منازلهم وأصيبوا بالأمراض وتعبوا وهم يبحثون عن أسباب العلل التي تصيبهم دون جدوى! لقد ظلت تتعذب شهوراً طويلة على فراشها دون أن يتمكن أحد من معرفة ما بها حتى توفيت! «ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون».

«4»

كانت لديه «عقدة الناجحين» ولا يحب أن يسمع أو يرى أحداً يمتدح شخصاً غيره في الموقع الوظيفي الذي يعملون به.. اجتهد كثيراً حتى يصل للمنصب رفيع المستوى الذي يحلم به في أحد المواقع الحكومية، وما إن وصل حتى اهتم بتهميش أحد المسؤولين الذي يشعر بالتهديد الوظيفي منه ونقله إلى موقع وظيفي بلا صلاحيات، وعادة ما ينقل إليه الذين لديهم سجل وظيفي سيئ! اهتم بتحقيره وإذلاله وإبعاده وتحويله إلى مكتب صغير رديء الشكل في المخازن حتى يضمن ألا يقدره أحد من الموظفين ولا يحترموه، وكان يفرح وهو يجده صاغراً في مكانه بعد أن كان مكتبه الكبير سابقاً عبارة عن استقبال لكل المراجعين الذين كان حريصاً على خدمتهم ونفعهم.. ظل هكذا سنوات طوالاً حتى أعلنوا عن دمج الإدارة وإلغاء ما يتبعها من مناصب رفيعة وإحالتهم إلى التقاعد المبكر.. الغريب أنه لكون من همشه يشغل موقعاً وظيفياً مختلفاً عنهم فقد اقترحوا اسمه في جهة حكومية أخرى يعمل بها كمسؤول وفق درجة وظيفية عالية! انشغل بمحاولات إيجاد موقع آخر له كمسؤول ولم يجد غير وظائف متواضعة تشابه من وضعه فيها ظلماً.. وجد نفسه في وضع أصسوأ ممن همشه وظلمه مقابل خبر ترقية ورفع من صبر واحتسب إلى موقع وظيفي ذي وجاهة! «اليوم تجزى كل نفس بما كسبت».

«5»

كان يضطر للسير مسافة ربع ساعة لإدراك موقف سيارته وهو خارج من مكتبه.. فوجئ ذات يوم بطفل تائه يبكي وهو واقف عند زاوية الشارع.. رغم أنه كان يود اللحاق بموعد مهم للغاية يتعلق بعمله، إلا أنه قرر أن يبقى مع الطفل لحين الوصول إلى أهله، فلو تركه لربما تعرض الطفل للخطف، أو حاول عبور الشارع لتدهسه إحدى السيارات لا سمح الله.. ظل يبحث ويسأل ويستفسر من الموجودين بالمنطقة حتى توصل أخيراً إلى أهله الذين كانوا يبحثون عنه طيلة اليوم، حيث إن «باص» الروضة كان يتوقف عند هذا المكان لإيصال أحد الطلبة ولا يعلمون كيف خرج الطفل وتسرب من الباص إلى هذه المنطقة دون علم أحد! عند عودته للمنزل تفاجأ بزوجته تخبره أن طفله كاد اليوم أن يغرق في حوض السباحة الخارجي لولا لطف الله وتدخل أحدهم لإنقاذه في الوقت المناسب! «إن الله لا يضيع أجر المحسنين».