سألوني بفضول شديد: أمعقول أن ما قمتي بتصويره من مقاطع فيديو قصيرة على السناب شات يحصل في البحرين؟ هل هذه هي البحرين حقاً؟ لقد شعرنا أننا في كربلاء!!

من سألوني معظمهم خليجيين ومعلوماتهم فيما يخص وضع الطائفة الشيعية في البحرين أما ضحلة أو تحصلوا على معلومات مفبركة قام بتحريفها لهم الإعلام ذو الأجندة الخفية تتعلق باضطهاد الدولة في البحرين للطائفة الشيعية وحرمانهم من حقوقهم الدينية وممارسة شعائرهم وهدم مآتمهم.

القصة بدأت عندما كنا في أحد الشوارع الرئيسة المزدحمة وراح الفكر إلى اختصار الدرب إلى شارع فرعي يقع بين إحياء شعبية وأزقة ضيقة جداً، عندما تم الانعطاف إليه فوجئنا بأن الشارع مسدود! لقد سد بطريقة مؤقتة أثناء مرور موكب للعزاء فوجدناها فرصة لتصوير المشاهد التي أمامنا وتوثيقها!

كان الموكب الذي يضم العشرات من الشباب والأطفال والرجال المتقدمين في السن والذين جميعهم يرتدون اللون الأسود من الثياب ويرددون ما يشبه النشيد الجماعي ويضربون على صدورهم وهم يسيرون فيما بعضهم كان يحمل شعارات ورايات سوداء تتعلق بهذا الموكب وراح البعض منهم متطوعاً لترتيب نظام سيرهم في الشارع بين الأحياء وإيقاف السيارات لحين مرورهم بالكامل، عندما انتهى مرور الموكب فتح الشارع فمررنا وأخذنا نصور الشعارات السوداء المعلقة بين جدران المنازل في هذه الأحياء التي يعيش فيها العديد من أصحاب المذهب السني مع الطائفة الشيعية وكان ملاحظاً أن جميعهم سواء رجالاً كانوا أو أطفال جالسين على عتبات المنازل أو بين زوايا الشوارع يرتدون ملابس باللون الأسود فيما كان هناك أشخاص محتشدون بالقرب من أحد المآتم الواقع مدخله في منتصف الشارع الفرعي.

قال لي أحدهم من دولة خليجية مستغرباً: كيف تسمح الدولة لهم بفعل كل هذا؟ لقد حولوا الأحياء إلى ما يشبه المأتم؟! في دولتنا لا نرى مثل هذه المظاهر فمن يريد إحياء العزاء يحييه داخل المآتم دون أن نشاهد أي شيء من كل هذا.

فرددت عليه مستدركة: موضوعنا الآن ليس هذا إنما ما يترسب عند بعض فئات الرأي العام الخليجي والعربي الذين لديهم فكرة خاطئة تماماً عن مملكة البحرين عندما يتأثرون بما تبثه قنوات الفتنة والدجل من معلومات مغلوطة ومضللة تحرف الواقع الحقيقي الذي يؤكد كما رأيت بالصور ومقاطع الفيديو التي استعرضت مظاهر إحياء المواكب الحسينية في مختلف مناطق مملكة البحرين أن البحرين كدولة وكنظام وشعب يدعمون حرية الأديان والمعتقدات والتعبير وحقوق الإنسان ومراعاة جميع الطوائف والأديان والدليل أن مملكة البحرين الدولة العربية الوحيدة بل في العالم أجمع التي تخصص يومي التاسع والعاشر من عاشوراء إجازة رسمية في الدولة كما أنها الدولة الوحيدة في العالم أجمع التي تقوم فيها أجهزة الدولة الرسمية بالتعاون مع أصحاب المآتم والمواكب الحسينية في سبيل التنسيق الأمني وتوفير كافة الاحتياجات اللازمة ومراعاة الأمن والسلامة وتهيئة الأجواء الملائمة في سبيل إنجاح هذه المناسبة الدينية عند أصحاب الطائفة الشيعية الكريمة بل وتعقد العديد من الاجتماعات واللقاءات والكثير من الزيارات الميدانية للتأكد من سلامة الأجواء.

وللعلم هناك حقائق تاريخية قد يغفلها الجيل الحالي ولم يعايشها خاصة بعد أحداث أزمة 2011 الأمنية وهو أنه في ماضي البحرين المتعايشة بين أصحاب المذاهب المختلفة كان كثير من أصحاب المذهب السني يتعاونون مع جيرانهم من الطائفة الشيعية خاصة المعتدلين والبعيدين عن الشعارات الطائفية والعنصرية المسيسة التي لا تحمل الشتم واللعن والتعدي على الرموز الدينية والوطنية ويشاركونهم بل ويحضرون مآتمهم ويساهمون في توزيع أطباق «عيش المآتم والشله» المعروف الاهتمام بإعدادها خلال هذه المناسبة وكان مشهد أن ترى بعض أصحاب المذهب السني وهم يجلسون معهم ويشاركونهم في أكل هذه الأطباق عادي جداً ولم يكن شيء غير مألوف بالمرة أنه عندما تنتهي المناسبة يشاركونهم في تنظيف الشوارع والمآتم بمعنى أنه لم يكن شيء استثنائياً أن تدخل مآتم فتجد من بين الجالسين أشخاص من المذهب السني وهناك شيعة يصلون في مساجد أهل السنة وسنة يصلون في مآتم الشيعة عندما يحين وقت الصلاة ويكونون قريبين من مساجد بعضهم البعض!

بالأصل معروف أن عاشوراء البحرين يتمركز في ثلاث مظاهر لا غير: هناك من يستغل الإجازة من أصحاب المذهب السني للسفر وغالباً ما يتجه لأداء فريضة العمرة فيما من لم يسافر يقوم بصيام يومي عاشوراء حيث ورد عن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام أن صيامه «يكفر الله به السنة التي قبله» فيما أصحاب الطائفة الشيعية ينشغلون بإحياء مظاهر العزاء والبحرين المتصالحة والمتسامحة كانت تطبق حرفياً الآية القرآنية التي تقول «لكم دينكم ولي ديني «.

فلا أحد يتدخل في نظام حياة الآخر، بل الجميع يحترم معتقدات الآخر، وهناك احترام متبادل وطالما هناك تعايش حقيقي لا يعترف ولا يستمع لمن يحاول بث روح الفرقة وإشعال شرارة الطائفية، فالإخوة الشيعة المعتدلون بالأصل يدركون أننا نحب أحفاد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام «الحسن والحسين» وأننا نوالي «علي» رضي الله عنه ونعتبره رابع الخلفاء الراشدين وفي النهاية جميعنا نصلي باتجاه قبلة واحدة وهذا هو المهم.

إن المشكلة الحاصلة فقط خلال السنين الفائتة كانت تتمثل بدخول شعارات دينية طائفية مسيسة تستهدف المواطن الشيعي في عروبته وتحرف فكره نحو اضطهاد المكونات الأخرى من المجتمع وتكفير كل من لا يسير على اتجاهات مسيسة ليس لها علاقة بذكرى عاشوراء ومن هنا جاءت الطائفية المقيتة وأشعلت شرارة النعرات والاضطهاد الذي رأينا لاحقاً كيف تمكنت أفكار هذه الأجندة المسيسة إلى تطبيقها على أرض الواقع من خلال العمليات الإرهابية التي تظهر تزامناً مع هذه المناسبة الدينية وإراقة الدماء ولا ننسى المعارك الدامية التي حصلت في سوريا والعراق ولبنان نتيجة هذه الشعارات والأجندة الخفية التي تستهدف تحريف الوقائع وإسقاط الأحداث التاريخية على أنظمة الدول العربية والخليجية وتأليب أصحاب الطائفة الشيعية على أصحاب المذاهب والطوائف الأخرى في المجتمع العربي بعنصرية وطائفية قاتلة.

«الحسين منا وفينا» والحسين مدرسة تربوية وقيم عظيمة فلنتعلم من قيمه وأخلاقه وشيمه المستمدة من ديننا الإسلام كما إن الحسين سيد شباب أهل الجنة فلنستلهم من هذه الشخصية أجمل معاني الإسلام وقيمه ومبادئه وتعاليمه والرضا بقضاء الله وبقدره فحادثة استشهاده عبرة وحكمة وموعظة نتعلم منها الكثير حتى يظفر كل واحد منا بالجنة بإذن الله ويلاقيه مع رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام وأصحابه الأبرار في الفردوس الأعلى بإذنه تعالى.