* مصادر مقربة من رئيس الوزراء: الحريري متمسك بالتسوية السياسية

* نجيب ميقاتي: أطروحات ظاهرها دستوري وباطنها فتنوي

بيروت - بديع قرحاني



أزمة جديدة يشهدها ملف تشكيل الحكومة اللبنانية، مع التطور البارز لموقف رئيس الجمهورية ميشال عون من انه سيتوجه الى مجلس النواب عبر رسالة لإعادة فتح ملف التكليف الحكومي، فيما شدد الخبير الدستوري صلاح حنين على أن "تكليف رئيس الحكومة بتشكيل الوزارة لا يلغى إلا باستقالة أو اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري".

وجاء التأكيد بشأن خطوة عون في بيان صادر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، على أن "الرئيس ميشال عون يعتبر ان حق تسمية دولة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة منحه الدستور إلى النواب من خلال الاستشارات النيابية الملزمة "المادة 53- الفقرة 2"، وبالتالي فإذا ما استمر تعثر تشكيل هذه الحكومة، فمن الطبيعي أن يضع فخامة الرئيس هذا الامر في عهدة مجلس النواب ليبنى على الشيء مقتضاه".

الخبير الدستوري صلاح حنين أكد لوكالة "المركزية"، أن "الدستور والنظام الداخلي للمجلس النيابي يجيزان لرئيس الجمهورية توجيه رسالة، مكتوبة وفقاً لأصول معينة، أمام أعضاء المجلس، وتكون إما خطية أو شفهية يلقيها بنفسه. ولكن الأمر يختلف حسب فحوى الرسالة، فإذا كانت موجهّة لسحب التكليف، تجدر الإشارة هنا إلى أن التكليف لا يُلغى إلا في حال استقالة او اعتذار المكلّف، لأن الدستور لا ينص على سحب التكليف وليست هناك آلية تسمح بذلك، إلا في حال الضغط السياسي، ودفع الرئيس المكلف الى الاستقالة لذلك، علينا الانتظار لمعرفة فحوى الرسالة التي سيوجهها الرئيس للحكم عليها".

وعن آلية الخروج من هذا النفق، قال حنين، "النظام تعرّض للخرق من أساسه، المشكلة الاولى بدأت مع اتفاق الطائف الذي ألغى الحسم لرأس السلطة التنفيذية، إذ ينص على أنه "يحق لرئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وهو ما ينطبق على تأليف الحكومة التي تشكل بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، إذاً الصلاحيات متوازنة ولا من يحكم".

من جهته، قال رئيس الوزراء اللبناني السابق، نجيب ميقاتي أمام زواره، إنه "يحق لنا أن نسأل، بعد الذي نشهده من تأخير في تشكيل الحكومة، هل نحن أمام أزمة حكومية مفتعلة، عنوانها الصراع على الأعداد والحقائب، أم أنها مناورة سياسية وصراع مصالح ونفوذ لأهداف أبعد من ذلك؟". وأضاف، "إذا كان ما شهدناه الأسبوع الماضي من مؤشرات خطيرة كادت تعيد البلاد إلى أيام الفتن والصراعات لم يحرك ساكناً في الجمود السياسي الراهن وبقيت الأجواء على ما هي عليه من التعنت والمراوحة، فما الذي يمكن أن يحفز المعنيين على تكثيف المساعي للوصول إلى حل يحصن الواقع اللبناني في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والتحديات الإقليمية الداهمة، ويحرك الجمود الاقتصادي وجمود الأسواق الذي وصل إلى مستويات مقلقة من تباطؤ النمو إلى درجة السلبية، ناهيك عن أزمة المالية العامة والمديونية التي استنزفت أكثرية الحلول التي يقدمها مصرف لبنان". وتابع، "صحيح أن غالبية المواقف مما حصل الأسبوع الماضي، أجمعت على رفض الانجرار إلى الفتنة، وإنني على ثقة أن الغالبية الساحقة من اللبنانيين ترفض العودة إلى الحقبات الأليمة السابقة، إلا أن المطلوب تحصين الوضع لمنع أي محاولة للعبث بالأمن اللبناني، وهذا التحصين يبدأ بتشكيل الحكومة، ووقف التسريبات عن خطوات ظاهرها دستوري وباطنها فتنوي بامتياز، ومن ثم إطلاق ورشة عمل نيابية-حكومية لمعالجة الوضعين المالي والإداري وتنفيذ ما تم التوصل اليه دوليا لدعم لبنان"، واردف ميقاتي، "يقول الله عز وجل في القرآن الكريم "الفتنة أشد من القتل"، والفتنة التي أطلت برأسها الأسبوع الماضي تركت آثاراً ينبغي معالجتها بالسياسة والأمن والقضاء بعدالة وموضوعية، بعيداً عن لغة التحدي والتشفي التي لا طائل منها، لا أن يطوى الملف على تسويات ملتبسة تسيء إلى صورة الدولة وأجهزتها"، وقال، "لم نعد نملك ترف المكابرة واللعب على عامل الوقت، لأن الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية بلغت درجة السلبية المطلقة، فاتركوا المناكفات السياسية وانكبوا على عملية إصلاح فعلي، بعيداً عن الحلول الآنية والموضعية غير المجدية".

فيما نقلت مصادر مقربة من الحريري "أن أحداً لا يناقش الحق الدستوري لرئيس الجمهورية بتوجيه رسالة إلى المجلس النيابي، فهو صلاحية لا ينازعه عليها احد، ولا يصح أن تكون موضع جدل أو نقاش، بمثل ما لا يصح أن يتخذها البعض وسيلة للنيل من صلاحيات الرئيس المكلف وفرض أعراف دستورية جديدة تخالف نصوص الدستور ومقتضيات الوفاق الوطني"، مذكّراً بأن "مسيرة التعاون بين رئيس الجمهورية وبين الرئيس الحريري، هي التي شكّلت جسر العبور من مرحلة تعطيل المؤسسات إلى مرحلة إعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية ودورها". وأكد أنه "إذا كان البعض يجد في تكرار التعطيل وسيلة لفرض الشروط السياسية، وتحجيم موقع رئاسة الحكومة في النظام السياسي، فإن الرئيس الحريري لن يتخلى عن تمسكه بقواعد التسوية السياسية التي انطلقت مع انتخاب الرئيس، فحرصه على موقع رئاسة الجمهورية واجب وطني لن يتهاون فيه، ونجاح العهد هو نجاح لكل اللبنانيين، وحماية هذا النجاح تكون أولاً وأخيراً بتأليف حكومة قادرة على جبه المخاطر والتحديات وتعزيز مساحات الوحدة الوطنية وليس تحجيم هذه المساحات وبعثرتها".