عدنان أحمد يوسف



سجلت البيئة المصرفية تطورات كبيرة مؤخراً أبرزت مكانة البحرين عربياً سواء على مستوى الانتعاش الاقتصادي والريادة المالية والمصرفية أو الإمكانات التي يتمتع بها القطاع المصرفي، وبشكل عام يتفاوت الحجم النسبي للقطاعات المصرفية العربية مقارنةً بحجم اقتصاد دولها، حيث تشير بيانات نهاية العام 2023 إلى أن نسبة موجودات القطاع المصرفي البحريني إلى الناتج المحلي الاجمالي للبحرين قد بلغت 534%، ما جعله يحتل المرتبة الأولى كأكبر قطاع مصرفي نسبة إلى حجم الاقتصاد الوطني.

ولعل السبب في ذلك يُعزى إلى البيئة المالية الجاذبة للاستثمارات التي تتمتع بها المملكة وصعودها اللافت مؤخراً على مختلف المؤشرات المالية العالمية بما عزز الثقة في النظام المالي، وأكد جهود المملكة الحثيثة في بناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات وخلق بيئة اقتصادية محفزة تعكس ريادة القطاع المصرفي ككل، كما يُبرهن ذلك على قدرة وتنافسية وكفاءة البنوك البحرينية في تقديم الخدمات المختلفة، وما تحظى به البحرين من أنظمة مالية ومصرفية متطورة وحرية مالية واستثمارية، وتشريعات وسياسات متقدمة وبيئة مواتية للأعمال، ومواهب وكوادر مصرفية عالية التأهيل، ومناخ تجاري داعم للاستثمارات في مختلف القطاعات، وساهم كل ذلك في تصدر المملكة للدول العربية مصرفياً ومالياً.

وبحسب البيانات ذاتها، فقد تلا القطاع المصرفي البحريني في الحجم النسبي القطاع المصرفي القطري والذي تمثل موجوداته نسبة 231% من حجم الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر، فالقطاع المصرف الإماراتي (220%)، فالأردني (183%)، فالكويتي (177%)، فالمغربي (129%)، فالفلسطيني (123%)، فالمصري (117%)، فالتونسي (101%)، فالعُماني (101%)، فالسعودي (99%)، فالجيبوتي (88%)، فالجزائري (74%)، فالليبي (74%)، فالعراقي (62%)، فالموريتاني (43%)، فجزر القمر (36%)، وأخيراً الصومالي (15%).

وبشكل عام، يُعتبر القطاع المصرفي أحد الركائز الأساسية للاقتصاد في العالم العربي، حيث يلعب دوراً حيوياً في تمويل الأنشطة الاقتصادية وتسهيل المعاملات المالية، وقد شهد هذا القطاع تطورات كبيرة في السنوات الأخيرة، نتيجة للتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والتنظيمية، وعلى رأس تلك التطورات كان التحول الرقمي والابتكار التكنولوجي، حيث شهد القطاع المصرفي العربي تحولاً رقمياً ملحوظاً، مع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا المالية (FinTech) والخدمات المصرفية الرقمية. وتساهم هذه التكنولوجيا في تحسين كفاءة العمليات وتقليل التكاليف، بالإضافة إلى تقديم خدمات مبتكرة للعملاء، حيث أصبح من السهل على العملاء إجراء المعاملات المالية عبر الإنترنت ومن خلال التطبيقات المصرفية على الهواتف الذكية، ما عزز تجربة العملاء وسهل الوصول إلى الخدمات المصرفية.

وفيما يخصّ تعزيز الامتثال والتشريعات، فقد تبنّت المصارف العربية إجراءات صارمة للامتثال للمعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ما عزز من مصداقيتها وثقة العملاء. من جهة أخرى، قام العديد من الدول العربية بتحديث قوانينها المصرفية والمالية لتعزيز الشفافية والحوكمة الجيدة. أما بالنسبة للتمويل الأخضر والمستدام، فقد حيث زاد التركيز على التمويل الأخضر والمستدام، مع مبادرات لتمويل المشاريع البيئية والاجتماعية التي تتماشى مع الأهداف التنموية المستدامة. وفي هذا السياق، فقد بدأ عدد كبير من المصارف العربية في تبني معايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) في عملياتها الاستثمارية والإقراضية، مما يعزز من دورها في التنمية المستدامة.

وبالنسبة للتحديات المستقبلية التي قد تواجه القطاع المصرفي العربي، فيأتي على رأسها التقلبات الاقتصادية، ومن ضمنها انخفاض وتأرجح أسعار النفط التي تؤثر على اقتصادات العديد من الدول العربية، مما قد يؤدي الى تحديات في السيولة وارتفاع معدلات الديون المتعثرة، ويُضاف إلى ذلك التوترات السياسية والاقتصادية في المنطقة التي تشكل تحديات إضافية للقطاع المصرفي، مما يتطلب من المصارف تبني استراتيجيات مرنة للتعامل مع هذه التحديات. من جهة أخرى، قد تواجه بعض المصارف العربية تحديات في مجال الامتثال للمعايير التنظيمية الجديدة، مما يتطلب منها استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والتدريب، وكذلك التغيرات المستمرة في اللوائح والقوانين الدولية والتي تتطلب من المصارف التكيف بسرعة لضمان الامتثال والحفاظ على الاستقرار. أخيراً، ومع مع زيادة الرقمنة، تواجه المصارف تحديات متزايدة في مجال الأمن السيبراني، مما يتطلب استثمارات كبيرة في حماية البيانات وتأمين الأنظمة.

* رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف البحرين