د. يارمو كوتيلاين

يعتبر مصطلح التكنولوجيا المالية "فنتك"، أحد المصطلحات الأكثر شيوعاً في بدايات اقتصاد القرن الحادي والعشرين، ويشهد المصطلح تغيرات متسارعة ومستمرة بشكل يتواكب مع ما نشهده من تغيرات تكنولوجية لم يسبق لها مثيل.ولم يكن هذا الانتشار الواسع لمصطلح التكنولوجيا المالية (فنتك) من قبيل الصدفة، فقد شهدت البحرين عدداً من المبادرات الرئيسية الرامية لتطوير هذا القطاع الناشئ. حيث أصدر البنك المركزي هذا العام اللوائح التنظيمية للبيئة الرقابية التجريبية لشركات التكنولوجيا المالية كما قام المصرف بإنشاء وحدة مختصة بالقطاع، في حين يستعد مجلس التنمية الاقتصادية لاستضافة أول مركز للتكنولوجيا المالية (فنتك) في المملكة. وهنالك العديد من الأسئلة التي لربما تتبادر إلى القاريء حينما يطرق هذا المصطلح الجديد ذهنه ومنها على سبيل المثال لماذا كل هذه الإثارة حول التكنولوجيا المالية (فنتك)؟ لماذا كان هناك تركيز كبير على جذب الاستثمار في هذا القطاع؟ وماذا يعني هذا الاندفاع نحو الابتكار في الممارسة العملية؟

وفي حقيقة الأمر، لا يعني الانتشار الواسع لمصطلح التكنولوجيا المالية (فنتك) بين عامة الناس أن هناك وعي تام بهذا القطاع، وفي أبسط المستويات، ينطوي مصطلح التكنولوجيا المالية (فنتك) على تطبيق التكنولوجيا (وعلى الأخص تكنولوجيا المعلومات) على الطريقة التي يتم فيها تقديم الخدمات المالية.



ويمكن للمرء أن يجادل بأن جهاز الصراف الآلي كان مثالا مبكراً للتكنولوجيا المالية (فنتك)، وقد شهدنا جميعاً التغيير الجذري الذي أحدثه جهاز الصراف الآلي للنموذج المصرفي التقليدي. فمن خلال تمكين الناس من استخدام الخدمات المصرفية الأساسية في جميع الأوقات، تغلب قطاع الخدمات المالية على القيود المفروضة على ساعات افتتاح الفروع، كما نتج عنه المزيد من الراحة، والمزيد من المرونة، والمزيد من السرعة، ومخلفات أقل. أما الخدمات المصرفية عبر الإنترنت فهي مثال أحدث على هذا الابتكار كما هي نقاط البيع في محلات البيع بالتجزئة.

لماذا ينبغي أن يكون قطاع التكنولوجيا المالية (فنتك) ذو أهمية كبيرة للبحرين في الوقت الراهن؟ وجد العاملون في قطاع الخدمات المالية أنه من الممكن اعتماد التكنولوجيا المالية (فنتك) كمحرك رئيسي للكفاءة. ولا تقتصر التكنولوجيا الرقمية على خفض تكلفة تقديم الخدمات الرئيسية فحسب، بل يمكن أيضاً أن تعزز فعاليتها وشفافيتها عن طريق إنشاء سجل رقمي مستمر لجميع المعاملات.

إحدى هذه التقنيات سلاسل الكتل "بلوكتشين"، وهي عبارة عن دفتر الحسابات الرقمي، يمكنه القيام بذلك أكثر كفاءة وأمان من أي تكنولوجية سبقته. فهي تنتج على الفور سجلاً رقمياً ثابتاً لكل معاملة، وبمجرد إنشاء السجل، لا يستطيع أحد تعديله أو حذفه.

كل تلك الخصائص تعني أن لدى التكنولوجيا المالية (فنتك) القدرة على توفير طرق بديلة للشركات حتى تتمكن من تحقيق أهدافها المنشودة من خلال التشريعات واللوائح التنظيمية في العديد من المجالات. في الواقع، تساهم التكنولوجيا المالية (فنتك) بشكل أكبر من الطرق التقليدية المكلفة في تحقيق الشفافية والاعتمادية في الإفصاح عن التقارير المالية للشركات في السوق. وبهذه النتيجة عندما تستطيع خلق قيمة وترضي الجهة المنظمة يصبح جميع أصحاب المصلحة رابحاً.

كما يمكن للتكنولوجيا المالية (فنتك) أن تكون أداة قوية للتمكين الاقتصادي. وحقيقة أن الخدمات المالية تقدم بتكلفة (ترتفع باستمرار من خلال تغير اللوائح التنظيمية) لها آثار سلبية على إمكانية الوصول إليها، وفي جميع الأسواق لا سيما في الاقتصاديات النامية، فإن الوساطة المالية الرسمية تتفاوت بدرجات متفاوتة نتيجة لذلك.

وعندما تقوم بخفض تكلفة الوساطة المالية واللوائح التنظيمية على حد سواء، يمكن للتكنولوجيا المالية (فنتك) أن توصل الخدمات المالية الرسمية إلى شرائح جديدة من السكان. كما یمکن أن يساعد ذلك في القضاء علی حلول الخدمات المالیة غیر الرسمية المکلفة، والخطرة، وغیر الفعالة، مما یؤدي في نھایة المطاف إلی تعزیز الاندماج والتنمية الاقتصادية، ومستويات المعیشة.

وقد اكتسبت المدفوعات عبر الهاتف النقال والمعاملات الإلكترونية شعبية كبيرة في العديد من الاقتصاديات النامية حيث يتم تسليمها بجزء صغير من تكلفة الخدمات المصرفية التقليدية. بمعنى أن التكنولوجيا المالية (فنتك) ليس مجرد وسيلة للقيام بما كنت تقوم به دائماً بطريقة أفضل وأكثر ربحية. كما يمكن أيضاً أن يكون التكنولوجيا المالية (فنتك) وسيلة لتعزيز الاندماج والتمكين الاقتصاديين، من خلال استقطاب أشخاص جدد وأعمال جديدة في مجال الوساطة المالية الرسمية، مما يزيد من تدفق رأس المال ويعزز الاستثمار. وتشير جميع المؤشرات إلى أنه يمكن القيام بمزيد من العمل في هذه المجالات لأن 42% من السكان البالغين في العالم (وفقاً للبنك الدولي) لا يزالون مستبعدين من النظام المالي الرسمي.

وإذا كانت التكنولوجيا المالية(فنتك) ستساهم بتوفير وسيلة ناجحة للتغلب على هذه القيود، فإن الفرص المحتملة التي تواجه المبتكرين الناجحين، وكذلك الشركات المالية التي تحتضنها، يجب أن تكون هائلة.

وقد لعب قطاع الخدمات المالية دوراً هاماً في الاقتصاد البحريني منذ فترة طويلة من الزمن، حيث يعد القطاع من أكبر المساهمين في الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر حوالي 15 ألف فرصة عمل في المملكة، وأكثر من نصفها يشغلها البحرينيون. كما تمتلك التكنولوجيا المالية (فنتك) قوة تأثير كبيرة ستؤذي إلى تغيير جذري في قطاع الخدمات المالية على المستوى الدولي - وهذا بحد ذاته يخلق مخاطر ولكنه يخلق أيضاً فرصاً للبحرين.

إذا كانت البحرين قادرة على خلق البيئة التي تساعد على دفع عجلة تطوير هذا القطاع الناشئ، سيكون هناك إمكانات كبيرة لجذب استثمارات جديدة حتى ينمو القطاع ويخلق فرص عمل جديدة.

المستشار الاقتصادي

مجلس التنمية الاقتصادية