ولئن كانت أسلحة الحروب هي المدافع والطائرات وجميع أدوات القتال، إلا أن السلاح الاقتصادي بات حاسماً في تحييد النتائج لطرف ضد آخر، وبرز سلاح التحكم في مصير العملات ودور الدولار في أي حرب كونية تنشب اليوم بين دولتين.

وفي مثال النزاع الروسي الأوكراني الأخير، كان الاقتصاد سلاحاً لردع الدب الروسي عن تقدمه في أوكرانيا، وتوقع المختصون أن ينهار الروبل بقوة بسبب الحصار العالمي القاسي، وقرارات عزل بنوك روسيا عن نظام سويفت الدولي للمعاملات المالية.

لكن في مسرح عمليات آخر برزت امرأة حديدية تدعى إلفيرا نابيولينا التي تتولى منصب محافظ البنك المركزي الروسي منذ العام 2013، لتقود معارك الروبل ضد محاولات الغرب لتركيعه، وتنجو من الفخ المحكم وتحقق انتصارا كاسحا أدى لارتفاع كبير في سعر الروبل، فماذا فعلت سيدة المركزي الروسي.

بدأت نابيولينا رحلتها منذ 2014 بعد انهيار سعر صرف الروبل بسبب العقوبات الغربية على حادثة شبه جزيرة القرم، وذلك عندما دمجت 300 مؤسسة مالية لتواجه الأزمة، وعادت في الأيام الأخيرة لتدخل معركة جديدة، حيث قررت رفع سعر الفائدة من 9.5% إلى 20%، لوقف نزيف سحب الأموال من البنوك، كما أفرجت عن 733 مليار روبل من الأموال الاحتياطية الطارئة، وسمحت للبنوك بتأجيل إعادة تقييم جميع الأصول للحفاظ على قيمها عند مستويات عالية.

وتعاملت نابيولينا مع التضخم بطريقة الهجوم خير وسيلة للدفاع، حين فرضت على الشركات الروسية شراء الروبل بنسبة 80% من العملات الأجنبية، ووضعت سقفاً للسحوبات والتحويلات للخارج بالعملات الأجنبية، لكن الضربة القاضية جاءت بربط الروبل بالطاقة الروسية المصدرة للغرب، وطلبت من الحكومة صياغة اتفاقيات تسوية في غضون أسبوع، وهذا كان أحد أبرز عوامل ارتفاع قيمة الروبل والذي شهد انتعاشة منذ نهاية مارس الماضي ويرتفع لأعلى مستوى له.

سيدة البنك المركزي الروسي معروفة لدى الغرب حيث اختارتها مجلة «ذا بانكر» البريطانية كأفضل محافظ بنك مركزي في أوروبا لعام 2017، ودعاها صندوق النقد الدولي لإلقاء محاضرة مهمة عام 2018 واختارتها مجلة فوربس ضمن أقوى 100 امرأة في العالم، ولذلك لم يكن ما حدث إلا نتيجة لتاريخها الحافل وكذلك ثقة الرئيس بوتين في قراراتها، حيث منحها صلاحيات واسعة لمواجهة السياسات الغربية ضد الدولة، وإن كان الجيش الروسي يواجه اليوم صعوبة في تحقيق انتصار حاسم على الأرض، إلا أن نابيولينا انتصرت في «موقعة العملات».