إن الشعوب تحرص على مرّ الزمان أن تسجّل تاريخها بكل العِبر التي تحتويه، لأن مَن لا ماضيَ له فليس لديه مستقبل، والهوية البحرينية تميّزت وانفردت على مرّ الزمان بصفات تغنّى بها كلّ من سكن البحرين أو مرّ عليها، وكانت الريادة لها في العديد من الحقب التاريخية التي جعلت أهلها يفتخرون بهويتهم ومكانتهم بين الأمم، وخصوصاً في مجال التعليم، ومما لاشك فيه أن بواكير وظهور التعليم في البحرين كان له الأثر الكبير في التحوّلات التي حدثت بعد عشرينيات القرن الماضي والذي كان له ارتدادات واضحة في المنطقة الإقليمية.

فالبحرين حرصت على العلم قديماً من خلال «المطوّعين» وحديثاً من خلال المدارس والجامعات كما يرصده الأستاذ الدكتور إبراهيم مطر في كتابه «ملحمة قرن.. مئوية التعليم النظامي في البحرين 1919-2019».

فكاتبنا واضحٌ من خلال سطور كتابه أنها ترصد حُبَّه لبلده وللعلم، فكم شخصٍ تخرج ويشعر بالفخر من المدارس التي تعلّم بها، ولكن عين مطر كانت عين المُحبّ المُطّلع على تاريخ مدرسته الهداية الخليفية من خلال الصور غير الملوّنة المعلّقة على جدرانها وهو يشعر بالفخر لكونه مُطّلعاً على هذا التاريخ وينتمي لجزء منه، بل حرص أن يُلملم كل ما تصل إليه يداه من هذه الصور حتى امتلك أرشيفاً كبيراً، وهذا ما يتّضح في المراجع التي رصد بها كتابه أو من خلال كنزه الذي يحتوي 25 ألف صورة قديمة بالأبيض والأسود.

فكما يقولون الصورة بألف كلمة، فكان اختيار مطر لصورة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه وهو يُعلن عن تدشين مدارس المستقبل من قلب أول مدرسة نظامية «الهداية الخليفية» كأول ما افتتح به كتابه إدراكاً منه لمعنى الصورة ورصداً جديداً لبداية مئوية أخرى من الريادة والعلم. لم يظهر التعليم النظامي في البحرين من العدم، بل كان له مقومات وجذور ضاربة في التاريخ منذ القدم، فالكتاتيب التي كانت تملأ البحرين حيث كان «المطوّعون» يعلِّمون الأطفال الكتابة والقرآن، وبعدها المدارس النظامية التي ظهرت في أوائل القرن الماضي كما رصدها كاتبنا ورصد معها الرجاحة والعقل اللذين كانا ينبضان في وجدان الشعب البحريني، فكانت المدارس الحديثة تهتمّ بالعلم فقط ولم يغفل الشعب البحريني الاهتمام بالدِّين إلى جانب العِلم، فكان الأطفال يذهبون إلى المدرسة صباحاً لتلقّي العلوم ومساءً للمطوع. إنه كتابٌ لَيَفخر به أهل البحرين جميعاً كونه يرصد حركة التعليم قديماً وحديثاً ممّا جعله مرجعاً مهمّاً كما عودنا الأستاذ الدكتور مطر، فنهج الأكاديمي المُطّلع على مناهج البحث العلمي امتزج مع أسلوب الكاتب العاشق لبلده البحرين فنتج مرجعاً عظيماً يحقّ لجميع أهل البحرين أن يفتخروا به.