التحدي الذي تفرضه بيئة العمل على كافة العاملين في ميادينها هو أسلوب الإنتاج الحقيقي وكيفية بروز مهام العمل بالصورة المُتقنة وفي مواعيدها المُحددة. وليس كل موظف حريص على أن يكون صاحب «إنتاجية مُرتفعة» فهناك أصناف من الموظفين يُصنفون ضمن صنف «المُتساهل»، وآخر ضمن صنف «صاحب المشكلات»، وآخر ضمن صنف «المُتقلب».

مثل هذه الأصناف المُزعجة تسبب بلا ريب تراجع الإنتاجية والفتور وعدم الإحساس بالمسؤولية، وينتشر معها شعور اللامبالاة بين الموظفين الذين سرعان ما يقعون في دائرة «التأثير السريع» على أمزجتهم ومستوى عطائهم. هناك من يتفنن في الانشغال بالمشكلات الجانبية مع زملاء العمل، أو بهوامش إدارية تافهة لا علاقة لها بالإنجاز، فجل وقته يقضيه في تصيّد أخطاء المسؤولين والتحريض ونقل المواقف السلبية للآخرين، أو تحرير الرسائل السوداوية التي لا نتاج حقيقياً من ورائها إلا تضييع الأوقات وتفويت الفرص السانحة للإنجاز والإبداع.

أستذكر هنا أحد الموظفين الذي استطاع بجهده وتركيزه في العمل وحبه للعطاء أن يصل إلى مراتب متقدمة في عمله، والسبب بسيط جداً، بأنه اعتمد أولاً على أن يكون صادقاً مُخلصاً في مساعيه، ونقي القلب ومُحباً لعمله، لا ينظر إلى ما يُتعبه أو يُزعجه ولا يردد الكلمات السلبية المتداولة: «لم يشكروني، لم يقدروني، لم أحصل على ترقية، أشتغل وغيري ما يشتغل، محافظ على وقت عملي وغيري مُتسيب، شنهو فايدة الشغل الزايد وما أحصل من وراه التقدير، وووو..». بالفعل لم يكن يؤثر عليه مسؤوله «المُتسيب وغير المُبدع»، بل هو من حمل راية الإنجاز بشخصيته المُبدعة، وعُرف بأنه شعلة من النشاط في بيئة عمله، وتميز بالإبداع والإتقان والإنجاز واستثمار الفرصة وتنفيذ المُبادرات واحترام الجميع، حينها وصل إلى ما وصل له من تقدير المسؤولين، وكل ذلك يأتي بتوفيق الله عز وجل أولاً الذي وفقه وبارك في مسعاه لصدق نيته وحبه للعطاء وسعادة النفس وصنع أجمل الأثر في بيئة عمله.

إن الانشغال بمشكلات العمل وتقلب المزاج في العطاء، يؤثر بلاشك في محيط العمل، ومن ابتُلي بمثل هذه الأصناف عليه أن يصرف النظر عنهم ويقزّم من اهتمامه وعلاقته بهم، فمثل هؤلاء لا ينفع معهم التوجيه والتدريب فقد أصروا على شخصياتهم المُتعبة التي لا تتغير. ينشغلون «بالسلبية المقيتة» ويتضجرون من أوضاع العمل، وفي الوقت ذاته لا تجد منهم «مُبادرة نجاح أو إبداع» فعملهم يسير بموج واحد لا يتغير كل يوم، بل لا تجدهم يتصالحون مع «أنفسهم» فالمصالحة الحقيقية والإنتاجية لا تأتي صدفة، بل تأتي من «إصلاح داخلي» ونفسية قابلة للتحدي والعطاء، وبعدها عن «النرجسية» والتعالي على الآخرين، وتحررها من «العقلية الإدارية» الواحدة التي تعتقد بأنها «الأفهم» إدارياً ما بين الآخرين.

في المقابل هناك شخصيات مُتميزة من الموظفين في مجال عملها وهي تلك التي ترفع من نسبة استشعارها بالمسؤولية الملقاة على عاتقها وتعرف حجم الأمانة التي أوكلها الله سبحانه وتعالى إليها قبل أن تكون مسؤولة أمام مدرائها.

شخصيات تتفنن في تعلم المهارات الجديدة كل يوم وتطور من أدائها، وإن أسندت إليها مسؤولية جديدة، فثق أنها تنتهي من إنجازها في بضع لحظات، ثم تخبرك بكلمة «تم». أعرف موظفاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن وهبه المولى الكريم «نعمة البصيرة القلبية والإدراكية» والقلب المطمئن والعطاء اللامحدود والمحافظة على أوقات العمل، وتعلم مهارات جديدة يخدم بها المستفيدين والمراجعين، فهو لا يقبل إطلاقاً أن يُنهي مهمته دون أن يعطيها حقها، أو أن يتذمر من الأوضاع الخارجية. منذ عرفته وهو المُنجز الذي ينزعج من نفسه إذا تأخر عمله، بل يعطيك المقترحات التي تُساهم في التحسين. شخصية يحق أن نسلط عليها الأضواء في يومياتنا الإدارية القادمة، لأنها مثال «لقصة نجاح إدارية مُلهمة».

ومضة أمل

التحرر من المعيقات النفسية الداخلية هو من يجعلك تنطلق للعطاء في مجال عملك، والتحرر من إنزعاجات الماضي، هو الذي يجعلك تتغير وتدرك أنه آن الأوان لتصل إلى مبتغاك وتشعر أنك «مُنتج» في كل لحظة، تستثمر كل «فرص العطاء» وإلا فلا فائدة من وجودك بلا أثر!