في رحلة الحياة هناك العديد من المحطات التي تستلهم منها تميزك، ومن خلالها تصنع خبرتك وحكمتك ونظراتك الثاقبة للحياة، ففي كل محطة هناك تحقيق النجاحات المتتالية، أو الإخفاقات السلبية، أو العراقيل التي تؤخر الانطلاق للنجاح الحقيقي. في كل محطة تتعامل مع نفسيات متعددة بتفكيرها وبأخلاقها وسمتها وتعاملها، وتمر أمامك ناظريك العديد من أصناف العطاء والتأثير، فبعضها لا هم لها إلا الإنتاج والعطاء واستثمار اللحظات، أما البعض الآخر فتراه من صنف المتهاون المتراخي المتكاسل عن أداء أبسط مهام عمله.

في رحلة الحياة تمر أمام أنظارك شخصيات متعددة في نظراتها للحياة، وأجيال من الكبار الذين كنت تراهم قدوات مؤثرة لك في حياتك، فهناك في المساحة الإيمانية في المسجد تتلاقى مع أعداد غير محدودة من المصلين، ولعل أبرزها تلك القامات الإيمانية المحافظة على صلواتها في المسجد خمس مرات في اليوم، فهي بلاشك عنوان للحكمة والعطاء والتواصل، ولها تأثير كبير في بناء شخصيتك وتفكيرك مهما تقدمت بك سنوات العمر. في المسجد تتعلم من الصغير والكبير، وتسمع حكم الحياة وحكايات الطيبين من أولئك الكبار الذين كافحوا وبذلوا وعاصروا أحداث الحياة. في مسجدك تعلم وتتعلم، وتقدم الموعظة التي يفتح الله عليك فيها ببيان الخير، فترسم الأثر ويأتي إليك من بعيد ذلك المصلي البسيط فيقبل جبينك ويشكرك ببيانك الذين لربما يسمعه للمرة الأولى في حياته. في المسجد تتلاقى الأجساد والأرواح في مأوى الخير والفلاح في مكان تحفه الملائكة وتنزل فيه السكينة.

في رحلة الحياة تمر بمحطة العطاء والخير فتسلك فيها طريقاً نحو العلم والتميز وبناء الأثر الممتد إلى آخر أنفاس العمر، محطة تختلف فيها أمزجة العطاء والتأثير، فبعضها تراه ممتداً أثره في كل من حوله، فلا يفتر ولو للحظة واحدة في تقديم الخير وفي الإنتاج الحقيقي، ولا يقبل أن تمر عليه دقيقة واحدة دون أن ينتج فيها أو ينهي مهمته التي كُلف بها، أو يُفكر بمبادرة وفكرة جديدة يقدمها للتنفيذ، أو يراجع حسابات ماضية ويُحسن من أسلوبه. وفي المقابل ترى ذلك المتساهل المنكب على صناعة مجده في السراب الخادع، ويتربع على عرش الانتقادات والتذمر وتتبع أخبار الآخرين وأحوالهم والتفنن بأساليب الغيبة والنميمة. تراه لا يأبه بأي إنتاج، ويركن للراحة على حساب الآخرين، فلم يصدق مع نفسه ولو للحظة واحدة، ولم يراجع حساباته ويتغير، فلا يقبل التغيير ولا تشهد منه أية مؤشرات توحي بانتقاله لبناء التميز الحقيقي المرجو. أما الشخصيات المتزعزعة في مجالات العطاء، فغالباً ما تراها محدودة الأثر لا تصبر كثيراً على قوة العطاء، ونفسها محدودة في مسير التميز الأسمى. فتعطيك اليوم، ثم تفتر لفترات طويلة وتركن للراحة والاستجمام بعيداً عن صدق النفس في عطائها. هي شخصيات تتأثر كثيراً بمن حولها فتتراجع عن عطائها الفذ، وتسبح في تيار المزاج السلبي المنتقد اللاذع.

في رحلة الحياة تتعلم من زوجتك وأبنائك وأهلك، تتعلم من العائلة الممتدة صغيرها وكبيرها ذكرها وأنثاها، في محطة جميلة من التلقي والتغيير وتبادل المعرفة الحياتية، وتبادل حكم الكبار. الأسرة التي تصنع فيها الأجيال ويتبادل الفرد مشاعره وتأثيراته مع من يحب، فيكون شامة في الخير يصنع قادة للمجتمع، فهي أسرة البناء الحقيقي والمصنع الأول الذي ينشأ فيه القادة ليكونوا لبنات التأثير الحقيقي في المجتمع ورموزاً مُبدعة تساهم في نهضة الوطن وازدهاره.

في رحلة الحياة نحتاج إلى تلك الجدية في «بناء التميز» الحقيقي، التميز الذي يُوّلد التأثير المرجو في مساحات الكون كلها، فأنت من تصنع تميزك ومجدك بنفسك، بما تختاره من مساحات مؤثرة تتبادل فيها المعرفة والتأثير، وبما تختاره من شخصيات مؤثرة تحرص على أن تكون في مساحاتها أغلب الأوقات حتى تنتج الأثر الجميل، وحتى يغلب عليك طابع الخير، والهمة العالية والنشاط الزاخر وطيب الأثر في كل محطة. رحلتك بأنفاسك يجب ألا تكون محدودة، واسعَ على أن تكون البناء المتميز في كل مكان، ولا تقبل أن تتراجع أو تعيش بلا هدف مرجو وبلا صناعة حقيقية للعطاء.

ومضة أمل

اصنع تميزك للحظة سيُقال فيها «افتقدنا ذلك البناء الشامخ في حياة الأثر».