ونعود مجدداً إلى الرحلة العظيمة وما تحتويه من مشاهد يشتاق إليها القلب والعقل، وبينما حجاج بيت الله الحرام في صعيد عرفات الله يتم تبديل ثوب الكعبة المشرفة وتعويض ثوبها بالثوب الجديد وحلتها الجديدة التي تبدل مرة في العام لهيبتها وحرمتها وشرفها العظيم الذي شرفها الله به، إنها كسوة الكعبة.
قبل الإسلام كانت كسوة الكعبة تصنع بالخصف، ومن الجلد وغيره من القماش، وكذلك كساها الكثيرون في الجاهلية، وكانوا يعتبرون ذلك واجباً من الواجبات الدينية آنذاك وفي تلك الحقبة.
وبعد الإسلام كانت الكسوة تخاط في اليمن، وكسى الرسول صل الله عليه وآله وسلم الكعبة بالقماش المصري المعروف بالقباطي وهو قماش أبيض ورقي، وأول من كساها بالحرير الأسود هو الخليفة العباسي المهدي الذي أمر ألّا يوضع عليها غيره ثوبا وأنشئ في مصر في العام 818م مصنع دار كسوة الكعبة، وكانت تنقل كل عام في حفل بهيج وكان ذلك قبل أن يتم صناعتها في المملكة العربية السعودية التي شرفها الله بهذه الخدمة العظيمة.
تثبت الكسوة وهي اللباس المصنوع من خيوط الحرير والذهب والفضة، وتتوشح بوشاح من النسيج الأسود المنقوش وكتب عليه «يا الله – يا الله – لا إله إلا الله محمد رسول الله وسبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم ويا ديان ويا منان» وتكرر هذه العبارات في جميع قطع الكسوة.
ويبلغ عدد قطع حزام الكعبة المشرفة أي ما يقارب عدد 16 قطعة و 12 قنديلاً أسفل الحزام وعدد 4 صمديات توضع في أركانها وعدد 5 قناديل عليها الله أكبر في أعلى الحجر الأسود إلى جانب الستارة الخارجية للباب.
وتزن الكسوة حوالي 670 كيلوجراماً من الحرير الخام المصبوغ باللون الأسود، وحوالي 120 كيلوجراماً من أسلاك الذهب الخالص، و100 كيلوجرام من أسلاك الفضة الخالصة، كسوة الكعبة هي قطعة من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن الكريم من ماء الذهب لتكسى بها الكعبة، ويعمل في مصنع كسوة الكعبة المشرفة حوالي 240 عاملاً وموظفاً وفنياً وإدارياً، ويتم تغييرها مرة واحدة في السنة وذلك خلال موسم الحج، في صبيحة يوم عرفة التاسع من ذي الحجة.
كما إنه من الحكمة من كسوة الكعبة أنها تعتبر من الشعائر الإسلامية، وهي اتباع لما قام به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة من بعده، فقد ثبت أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين.
وفي نهاية هذه الرحلة العظيمة نتقدم بجزيل الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين، وصاحب السمو الملكي ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، وحكومته الرشيدة حفظهم الله على ما يلقاه «الحَرَمين الشريفين» من خدمات جليلة، وخصوصاً لضيوف الرحمن الذين أتوا من كل فج عميق، لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، حج بيت الله الحرام، ومن هنا نشيد بالخدمات المباركة المقدمة من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في خدمة ضيوف الرحمن، وما يلقونه من كرم الاستقبال وحسن الحفاوة التي تعكس مدى اهتمام المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً بضيوفها الذين يفِدون إليها من جميع أنحاء العالم لأداء مناسك فريضة الحج، والشكر موصول لقيادتنا الرشيدة لما تقدمه من تسهيلات لحجاج مملكة البحرين وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية، فجزاهم الله جميعاً خير الجزاء على هذه الخدمة النبيلة، وكل عام والجميع بخير.