من الطبيعي أن يتسلّم كل موظف راتباً شهرياً من الجهة التي يعمل بها نظير الجهد الذي يبذله في العمل، وهذا الراتب ينفقه الموظف لتوفير احتياجاته واحتياجات أسرته، فيقسم الراتب إلى أقسام، قسم لتوفير الغذاء، وقسم لتوفير الملبس، وقسم لإيجار السكن ومتطلباته من رسوم الكهرباء والماء، وقسم للعلاج، وغيرها من الأقسام.

ومن هذه الأقسام يُقطع قسم لمصروفات متطلبات الذهاب في العمل، فخروج الإنسان للعمل يتطلب مبلغاً من المال كتوفير السيارة، ونفقة تعبئة السيارة «بالبنزين»، وكلفة الوجبات التي يتناولها الموظف خلال العمل، كذلك قيمة إيجار موقف السيارة أحياناً، وكلفة تبادل الهدايا بين الموظفين في المناسبات الاجتماعية، وكلفة شراء الملابس التي يلبسها الموظف في العمل، وما أدراك ما كلفة شراء الملابس.

فبيئة العمل في بعض المؤسسات تتطلب ملابس تكلفتها منخفضة، فتجد الرجال يلبسون الثوب الخليجي العادي وهو غير مكلف، والنساء يلبسن ملابس عملية بسيطة، في حين أن بيئات عمل أخرى تتطلب ارتداء ملابس راقية ومكلفة، فتجد الرجال يلبسون البدلات وهي غالية الثمن، والنساء يرتدين الملابس ذات العلامات التجارية الغالية الثمن «البراندات»، أما الأحذية والحقائب فهي مستنزفة لميزانية الموظف لارتفاع ثمنها، ناهيك عن أن الرجال والنساء يتحلون بالحلي باهظة الثمن «الماركات» كالساعات، وأزرار القمصان، والأقلام، والخواتم، وبالطبع باقي الإكسسوارات النسائية.

وتلك الثقافة الموجودة في بيئة العمل بضرورة لبس ملابس راقية وغالية الثمن، تشكل جزءاً كبيراً من راتب الموظف، سواء أكان هذا الراتب كبيراً أم بسيطاً، ففي الحالة الأولى أي بيئات العمل التي لا يهتم موظفوها بارتداء هندام غالي الثمن، فلا مشكلة فيها، بل إن الموظف تقل مصروفاته المخصصة لكلفة المعيشة في بيئة العمل، وفي الحالة الثانية أي عندما تكون كلفة المعيشة في بيئة العمل غالية الثمن، فهي تشكل عبئاً مالياً على الموظف خاصة الموظفين ذوي الرواتب المتدنية، فالموظف متدني الدخل في مثل هذه المؤسسات، يضطر لتحمل كلفة المعيشة الباهظة الثمن فيقتطع من راتبه مبالغ كبيرة، بهدف التعايش مع بيئة العمل المحيطة به والتزاماً بالعرف السائد في المؤسسة التي يعمل بها، وبالطبع يتعذر عليه مخالفة هذا العرف وإلا سيصبح شاذاً بين زملائه، وربما غير مقبول.

وهنا نذكر ما نراه في الدول المتقدمة حيث إن اللبس السائد بين الموظفين هو «الجينز، والقميص» وهذا اللبس رخيص الثمن وعملي ويسهل غسله، كما أنه من غير المقبول لبس الإكسسوارت المبالغ فيها، فيعتبر أمراً لا يتناسب مع جو العمل، تلك الثقافة السائدة توفر على الموظف كلفة المعيشة في بيئة العمل، وتوفر جهده الذي يصرفه في توفير الملابس الفاخرة.

ومن هنا أرى أن على إدارة المؤسسات أن تتخذ التدابير اللازمة لعلاج هذه المشكلة، إما أن تضع ضوابط في مواصفات ملابس الموظفين، أو تنشر ثقافة التزام بالملابس البسيطة والعملية، أو أن تدفع علاوات للموظفين بدل ملابس.

ولعل أحد هذه التدابير التي يمكن أن تأخذها المؤسسات فرض زي موحد للموظفين كما هو الحال في بعض الوظائف مثل المضيفين في شركات الطيران، والأطباء، وغيرهم، وعموما إن صناعة الثقافة الاجتماعية داخل المؤسسات هي بيد المؤسسة نفسها، وبيدها الكثير.. ودمتم سالمين.