ندوة من طراز مختلف، كسرت الرتم الاعتيادي في أطروحات الندوات، إذ ذهب المنتدون فيها نحو فضاء مفتوح تعدى حدود الإنجازات والترويج للنجاحات، ليلامس مفاصل التحديات، ونقاش كيفية التغلب عليها في تخصص أقل ما يوصف به بأنه صعب وشائك.

السيدة الفاضلة غادة حميد حبيب الأمين العام للتظلمات، جمعت في ندوتها كل من المهندس علي أحمد الدرازي رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والسيد محمد خالد الهزاع القائم بأعمال المحامي العام رئيس وحدة التحقيق الخاصة، وأدارتها بطريقة مختلفة كسرت فيها الطريقة الاعتيادية في إدارة الندوات، فهي لم تسأل عن منجزات الجهات وما تحقق فيها منذ تأسيسها، بل قصدت توضيح التشبيك بين مثلث مؤسساتي مهم يتشارك في حمل مسؤولية الحفاظ على حقوق الإنسان في المملكة، وانطلقت من الإنجازات لأسئلة مباشرة حول كيفية التغلب على التحديات ومواجهة المشاكل على أرض الواقع، ليذهب النقاش في تجاه تحديد ملامح المستقبل والطموحات المستقبلية لتحقيق المزيد من العمل النوعي الجاد، إلى جانب طرح كيفية تجاوز التحديات في هذا الحقل الشائك من العمل الحقوقي الصعب.

قيل في الندوة إن مملكة البحرين تميزت في مجال حقوق الإنسان من خلال العديد من الإنجازات التي تجسدت على أرض الواقع إيماناً راسخاً منها بصون حقوق الإنسان وتعزيز الثقافة الإنسانية بما انتهجته من سن القوانين والمواثيق والانضمام للاتفاقيات التي تعزز هذه الثقافة، فالجميع أجمع على وجود انخفاض في معدلات الشكاوى الواردة في هذا المجال الأمر الذي يؤكد نجاح عمل المؤسسات الحقوقية في مهامها.

ولكن ماذا بعد؟

ما الذي سيلحق هذا الهدوء وهذه المرحلة المختلفة في تفاصيلها وظروفها ورؤيتها؟ فاليوم تذهب الأطروحات لوضع حقوق الإنسان في أطر قانونية وثقافية وسلوكية، فهناك آفاق مفتوحة للإضافة النوعية في عمل هذه المؤسسات، وزيادة النضج وتعزيز التجربة التي تضع من كرامة الإنسان والمساواة أولوية.

لقد خص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948م وبمواده الثلاثين كافة حقوق الإنسان من أجل ازدهار شخصية الإنسان، ومنها أصبحت حقوق الإنسان شاغلاً أساسياً لخبراء السياسة والحقوق والاجتماع، فهي شريان حياة يضفي القوة والحيوية التي تدعم كل ديمقراطية في أي مجتمع سليم، فحقوق الإنسان أمر مستحق فطرياً من غير قوانين، إلا أنها جاءت لتثبت هذه الحقوق وترسخها في المجتمعات.

طرح مختلف يفتح آفاق التطوير لمؤسسات الدولة التي تمثل آليات الانتصاف الوطني، فالتطوير ومواكبة تطلعات المرحلة الجديدة من بناء وتعلم وتدريب وتوسيع آفاق العمل والمعرفة، لا تعتبر هي فقط ملامح المرحلة القادمة بل ثمة تحدٍ أكبر وهو تعزيز المزيد من الثقة في هذه المؤسسات، وترسيخ الجدية والحزم والحياد والاستقلالية، إضافة إلى طرح بعض القضايا الجدلية مثل تحديد مفهوم الضرر النفسي وأبعاده وتأثيراته.

الواقع اليوم وبعد عشر سنوات من الإنجاز يتمثل في تحقيق ريادة مملكة البحرين في هذا المجال على مستوى المنطقة، ويجعل الطموح أكبر في توسيع مجال حقوق الإنسان، ليلامس جميع مفاصل الحياة من صحة وتعليم وعيش وسكن وعمل وتوافر فرص بدء المشاريع الخاصة وغيرها، وهي مجالات واسعة للغاية وتفتح آفاق العمل الكثير بما يتجاوز التحقيق في مجال جرائم التعذيب وإساءة المعاملة والاعتداء على الحرية، فهناك آفاق أرحب للعمل والتطبيق.

وفي الختام ليس أجمل من استذكار مقتطفات من مقولات مهمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله بأن البحرين عبر التاريخ هي مملكة الإنسانية والطمأنينة.. والجميع يتشارك فيها من أجل إعلاء ثقافة حقوق الإنسان وإشاعتها في أوساط المجتمع والعمال والموظفين والإعلام والمجتمع المدني لتكون حاضرة دوما وثابتة في الذهن وراسخة في العقيدة الوطنية، لتبقى البحرين وطنًا تزدهر فيه ثقافة المحبة والتآخي والتعايش بين مختلف الأعراق والمذاهب والأديان وواحة للحقوق الإنسانية.