لطالما كان حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه صاحب رؤية واضحة لمستقبل مملكة البحرين منذ أهم محطة سجلت في تاريخ المملكة المعاصر، متمثلة في مشروع جلالة الملك الإصلاحي. ومنذ اليوم الأول لتدشين المشروع الإصلاحي كان واضحاً أن جلالته قد عقد العزم على الاستمرار نحو استكمال أسباب الديمقراطية حتى يومنا هذا، وقرار جلالة الملك المعظم بالعفو الشامل عن 1584 محكوماً، بمناسبة اليوبيل الفضي لتولي جلالته مقاليد الحكم وتزامناً مع الاحتفالات بعيد الفطر المبارك، وهو ما يعكس الحرص الملكي على حفظ الكرامة الإنسانية لكل أبناء الوطن، ليكونوا مواطنين صالحين في مجتمع واحد متكاتف نحو رؤية مستقبلية واضحة يقودها جلالته بكل اقتدار وحكمة.

ورد في مقدمة دستور مملكة البحرين 2002 ".. ورغبةً في استكمال أسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز، وسعياً نحو مستقبل أفضل، ينعم فيه الوطن والمواطن بمزيد من الرفاهية والتقدم والنماء والاستقرار والرخاء في ظل تعاون جاد وبناء بين الحكومة والمواطنين يقضي على معوقات التقدم..". مقدمات الدساتير لا تقل أهمية عن النص الدستوري، بل هناك فريق من علماء القانون يضعون المبادئ العامة الدستورية في مقام أعلى من النص الدستوري، تلك مسائل قانونية مهمة والإلمام بها يميز الوعي القانوني. كذلك نلاحظ من الفقرة السابقة اختيار المشرع الدستوري عبارة "استكمال أسباب الحكم الديمقراطي"، تلك العبارة لها مدلول مهم، إذ تؤكد على أن الديمقراطية مجموعة من المفاهيم والممارسات والقوانين في حركة وتتطور دائم، والسعي نحو الديمقراطية مستمر إلى ما لا نهاية في حياة الأمة، واستكمال أسباب الديمقراطية مسؤولية وطنية تتناقلها الأجيال عبر الزمن، بغض النظر عن تعقيدات الواقع محلياً أو دولياً؛ لأنه برصد ودراسة كافة المعطيات وإعادة التقييم ومن ثم التعاون على تفادي الأخطاء تنتقل أمانة الحفاظ على الوطن ومقدراته جيلاً بعد جيل. كما هو حاصل في الديمقراطيات "العريقة"، التي لم تصبح كذلك بين ليلة وضحاها، فأغلب دول العالم التي يطلق عليها "ديمقراطيات عريقة" أخذت مئات السنين لتبدأ ملامح الشكل الذي هي عليه الآن بالظهور كأنظمة ديمقراطية، وما تزال فيها عجلة التطور مستمرة لاستكمال أسباب الديمقراطية إلى يومنا هذا.

الديمقراطية قبل أن تكون نظاماً شكلياً إجرائياً قانونياً، هي ثقافة وعي بالمفاهيم والممارسة، وهذا المأخذ الذي تعاني منه الجمعيات و الجماعات السياسية البحرينية، التي تهتم بالشكل وتترك المضمون، والمطلع على أدبيات الجمعيات السياسية البحرينية منذ تأسيسها، سيتساءل عماذا تبني تلك الجمعيات مفاهيم الديمقراطية؟ وكيف تقترح تنظيم العلاقة بين الدين والدولة؟ وما علاقتها بالحداثة؟ هل تعتمد في كل ذلك على الفلسفة الغربية أم الموروث الإسلامي أم الإطار الدستوري أم على ماذا بالضبط؟ وهل تطبق هي مفاهيم الديمقراطية على نفسها؟ وما هو مشروعها؟ ربما لأن بناء التصورات والمفاهيم وترسيخها في الوعي الفردي والجماعي مهمة شاقة وتحتاج إلى الوقت والصبر، أو بالأحرى هي صناعة ثقيلة تحتاج إلى تضافر جهود الجميع.

لذلك سيبقى مشروع جلالة الملك الإصلاحي وميثاق العمل الوطني ودستور 2002 أهم وثائق سياسية في تاريخ البحرين المعاصر.