رغم اختلاف الألوان واللغات والأصول والمنابت؛ تراهم يتناغمون في المسير والتكبير والتهليل، يطوفون بالبيت العتيق وتصدح حناجرهم بنداء واحد «لبيك اللهم لبيك»، لا فرق بين غني وفقير، أبيض أو أسود، عربي أو عجمي..

إنهم ضيوف الرحمن في بيته العتيق؛ والذين يجتمعون في أكبر ظاهرة تجمع بشرية على مستوى العالم، يرسمون صورة الإسلام الإنسانية المؤكدة على التوحد والتكاتف والتآخي؛ رغم ما يعيشه العالم اليوم من فراق وتشتت، وليسقطوا كل الفروقات والاختلافات تلبية لدعوة الله عز وجل «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»، «سورة الحج – 27».

وها هم ضيوف الرحمن في بيته الحرام يرفعون أيديهم بالتوسل والدعاء إلى الخالق عز وجل ملبين مستجيبين، أرواحهم خاشعة، ونفوسهم هائمة، وقلوبهم مشتاقة، وعيونهم فائضة من الدمع؛ حباً لله واشتياقاً للقرب منه، طالبين الرحمة والمغفرة وباحثين عن السكينة والسلام.

في رحاب بيت الله الحرام، وأمام الكعبة المشرفة؛ يستعيد الزائر كل هيبة ووقار خطوات الأمين المؤتمن، عليه الصلاة والسلام، وهو يطل على قريش خلال إعادة بناء الكعبة ووضع الحجر الأسود، يستذكر حكمته في المعاملة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما يستذكر حزمه عندما حطم أصنام قريش هاتفاً، «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»، «سورة الإسراء - 81».

ورغم كل ما يعيشه العالم من الاختلافات والانقسامات السياسية والاجتماعية المتصارعة والمتناحرة، تنعكس صورة الإسلام الحقيقي في أبهى صورها في رحاب بيت الله، حيث تجتمع القلوب على التوحيد والشوق إلى زيارة بيت الله والظفر بالجائزة الكبرى بالمغفرة والاغتسال من أدران الدنيا، وليقدموا للبشرية جمعاء نموذجاً إنسانياً راقياً بالسلام والتسامح والأخوة.

واليوم، والأمة تمر في واحدة من أصعب ظروفها الإنسانية والأمنية، نتيجة تواصل المجازر في قطاع غزة وما يعيشه أهلنا في السودان الشقيق، وغيرها من بلاد المسلمين، ما أحوجنا اليوم إلى هذا التجمع الإسلامي الإنساني، وما أحوج أهل غزة الصامدة إلى دعوات صادقة تلهج بها القلوب قبل الألسن، بأن يرفع الله الغمة وأن ينصر المستضعفين ويحقن دماءهم.

وما أحوجنا جميعاً، وحجاج بيت الله الحرام يستعدون للصعود إلى عرفة بعد غد، ما أحوجنا أن نعود إلى الله، وأن نستذكر القيم العظيمة التي بني عليها ديننا الحنيف، وأن نستذكر صورة الأنصار وهم يتقاسمون البيت والخبز والمحبة مع إخوانهم المهاجرين، تلبية لدعوة رسول الإنسانية.

ما أحوجنا في هذه الأيام المباركة أن تتوحد قلوبنا وأيدينا، وأن نتجاوز خلافاتنا وأن ننقي دواخلنا لتكون الرحمة والتراحم عنواننا ورسالتنا إلى العالم أجمع، وأن نقدم الصورة التي أرادها الله ورسوله منا، دون تفريق بين البشر على أساس دين أو مذهب أو لون أو أصل.

إضاءة

«الناس صنفان؛ إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».«الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه».