الخميس الماضي قدمت دورة تدريبية متقدمة في «تحليل الخطاب والمضمون» لعدد من المدراء الجدد المعينين في الحكومة بموجب قرارات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.

الدورة جديدة ضمن البرنامج الوطني للقيادات الحكومية، وفي مستوى دورة «قيادات» للمدراء، وكانت معنية بـ«التوجهات الاستراتيجية في خطابات جلالة الملك»، وكانت قائمة على عملية تحليل خطابات جلالته واستشفاف المضامين والتوجيهات السامية فيها، والأكثر عمقاً كانت معنية بتعريف المتدربين بكيفية استخلاص التوجهات الاستراتيجية من خلال الخطابات الملكية.

بداية، يُحسب الفضل لله سبحانه ثم لسعادة الدكتورة الشيخة رنا بنت عيسى آل خليفة مدير عام معهد الإدارة العامة على إدراج مضامين هامة في عمليات التدريب في برامج المعهد، وتحديداً المضامين التي تعزز معلومات المتدربين بشأن البحرين وتاريخها وجلالة الملك ومسيرته والإنجازات التي حققها عبر مشروعه الإصلاحي، والتوجهات الاستراتيجية لبلادنا في إطار العمل الدؤوب والمستمر لحكومتنا الموقرة بقيادة الأمير سلمان سدد الله خطاه.

هذه الأمور يفترض أن يتشربها كل موظف في القطاع الحكومي، ولابد أن يعرفها بشكل عميق كل من يتولى مسؤولية إدارية في قطاعاتنا، بالأخص من يملكون ميزة اتخاذ القرار في إطار مسؤولياتهم، سواء أكانوا مدراء أو رؤساء وحتى وكلاء، إذ استذكار تاريخنا والمحطات الفارقة فيه وتحليل المنعطفات الهامة كلها تأتي في إطار معرفة الكيفية التي تشكلت فيها مسيرة العمل الوطني، وكيف وصلنا اليوم لوضعنا الحالي.

استمتعنا جميعاً بالتعرف أكثر على جلالة الملك، منذ بداياته الواعدة وشبابه وولايته للعهد وإسهاماته في بناء البحرين معاضداً والده الراحل العظيم رحمه الله، وكيف كانت التحولات التاريخية منذ تولى مقاليد الحكم، وكيف استمر عهده الزاهر في تحقيق الإنجازات والمكاسب.

مرحلة تحليل مضمون الخطابات كانت بالنسبة للمتدربين شيئاً لافتاً، خاصة وأننا استعرضنا «الخطاب الأول» لجلالته، أي في اليوم الذي خلّفه فيه والده أميراً للبحرين، وفي الكلمة الأولى التي امتدت لقرابة عشرين دقيقة، كيف كان تقسيم الخطاب والأجزاء المتكون منها، وكيف كان حديث جلالته عن والده وأخلاقه السمحة وطيبته وتأثر الشعب كله برحيل أب حانٍ وحبيب، وكيف تعهد ملكنا لشعبه الطيب بأن يكون امتداداً لوالده، وقالها في الكلمة بصراحة واضحة: «إنني كابن لعيسى، وحافظ لعهده، سوف أحمل لواء نهجه الذي لا يميز بين أبناء الوطن الواحد، في اختلاف الأصول والمذاهب، ولا ينظر إلا لصدق الانتماء الوطني، وروح المواطنة الحقة التي تريد الخير للبحرين وأهلها كافة».

طبعاً استعرضنا الخطاب الأول وحللنا مضامينه، واخترت للمتدربين خطاباً ثانياً باعتبارات أهميته وكان يوم إعلان البحرين مملكة دستورية إثر إقرار الميثاق بتصويت تاريخي، وإعلان جلالة الملك عن موعد الانتخابات البلدية والنيابية ودعوته لشعبه الطيب بأن يشارك في صناعة القرار.

وكان الخطاب الثالث، هي «الكلمة الارتجالية» التي ألقاها جلالته في فبراير الماضي ضمن ذكرى اليوبيل الفضي لتوليه مقاليد الحكم، وهنا كنت أقول للمتدربين تابعوا ملكنا كيف يتحدث مترجلاً، انظروا لهذا القائد الراقي في كلامه، الأب الحاني في خطابه، كيف يتكلم بعفوية ويشارككم ما في قلبه، وكيف كانت لحظات الوفاء والبر بوالده، كيف يتواضع وينكر ذاته ويقول جلالته بأن ما تحقق في عهده ما هي إلا «أحلام وطموحات عيسى بن سلمان»، وأن ما قام به واجبه لتحقيق ما أراده والده لهذه الأرض الطيبة وشعبها الذي يستحق كل الخير.

بيد أن المثير كان في تحليل الخطاب الأول، وكيف أدركنا أن كثيراً من النقاط التي ذكرها جلالة الملك في خطابه الأول في مارس 1999، كيف أنها نقاط حينما نرجع لها اليوم، أي بعد 25 عاماً، هي نقاط حققها جلالته، وهي تغييرات وتطوير وتحديث قام به في شتى المجالات، وحولت بلادنا لما نراه اليوم.

وصلنا لنتيجة مشوّقة، وهي أن قائدنا كان جاهزاً لحمل الأمانة، كان قد وصل لمرحلة من الإعداد الذاتي والتخطيط الاستراتيجي بحيث يعرف تماماً حجم المسؤولية وكيف سيعمل من أجل البحرين، وكيف سيصون إرث والده ويبني عليه. كان جلالة الملك جاهزاً منذ اللحظة الأولى، كان مشروعه الإصلاحي مرسوماً بالكامل في ذهنه، كان يرى البحرين بشكلها الحالي مثلما كتب عنها في كتابه «الضوء الأول» حينما كان ولياً للعهد.

تريدون رؤية تجسيد واقعي لتخطيط مسبق ذكي يرسم مستقبلاً مدروساً؟! ارجعوا لخطاب جلالة الملك الأول قبل 25 عاماً، استمعوا له وانظروا للبحرين اليوم، وسترون ذلك بكل وضوح.

حفظك الله يا ملك القلوب، وحفظ بك البحرين وشعبها الكريم، مثلما تصفه دائماً.