شهد الإعلام في العقدين الأخيرين تحولات جذرية أثرت بشكل عميق على طريقة تفاعل الجمهور مع الأخبار والمعلومات، ومن أبرز هذه التحولات كان دخول تقنية الاتصال الحديث للساحة الإعلامية، خاصة تطبيقات التواصل الاجتماعي، ثم تقنيات الذكاء الاصطناعي، كمنافس قوي للإعلام التقليدي.

في البداية ظهرت تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك»، «تويتر»، و»إنستغرام» كمنافس قوي للإعلام التقليدي. وكان هناك شك ورفض من قبل الكثير من الإعلاميين الذين اعتبروا أن هذه المنصات تهدد جودة الإعلام بسبب انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة. ومع ذلك سرعان ما أدركت المؤسسات الإعلامية الفوائد الكبيرة لهذه التطبيقات، مثل القدرة على الوصول إلى جمهور أوسع وبسرعة أكبر. على سبيل المثال، خلال جائحة كورونا، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في نشر المعلومات الصحية والإرشادات الوقائية بشكل سريع وواسع النطاق، مما ساهم في زيادة الوعي العام ومكافحة انتشار الفيروس.

استفاد الإعلام المرئي، المسموع، والمقروء من هذه التطبيقات بطرق متعددة وأصبحت الأخبار تنتشر في الوقت الحقيقي، مما سمح للصحفيين بتغطية الأحداث فور وقوعها، كما أتاحت هذه المنصات للجمهور المشاركة في إنتاج المحتوى من خلال التعليقات والمشاركات، مما زاد من تفاعلهم مع المعلومات والأخبار وخلق نوعاً جديداً من الصحافة التفاعلية، فخطوة التعليق على المواد الإخبارية من قبل المستخدمين ومشاركة آرائهم، خلقت حواراً تفاعلياً بين الصحفيين والجمهور.

مع التقدم المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بدأ الإعلام يعتمد بشكل متزايد على هذه التقنيات لتحسين جودة المحتوى وزيادة كفاءته، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة فائقة، مما يساعد الصحفيين على تحديد الأنماط والاتجاهات وتقديم تحليلات دقيقة ومفصلة. فوكالات الأنباء الكبرى مثل رويترز وبلومبرغ تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الاقتصادية والأسواق المالية وتقديم تقارير دقيقة في وقت قصير.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تحسين تجربة المستخدم من خلال تقديم محتوى مخصص بناءً على تفضيلات القارئ أو المشاهد. يمكن أيضاً استخدامه في أتمتة بعض الوظائف الصحفية مثل كتابة التقارير الإخبارية البسيطة أو تحرير الفيديوهات، مما يتيح للصحفيين الوقت للتركيز على نوعية المحتوى وجودته والبحث عن مواد أكثر إبداعاً.

لا شك في أن الاستباق في تبني التقنيات الجديدة يمكن أن يكون له فوائد كبيرة في مجال الإعلام، فهو يتيح للمؤسسات الإعلامية الاستفادة من أحدث الأدوات والتقنيات لتحسين جودة خدماتها وزيادة كفاءتها. ومع ذلك، يجب على المؤسسات الإعلامية أن تكون حذرة في تبني هذه التقنيات، فقد يكون هناك تحديات تتعلق بخصوصية البيانات وأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي.

مؤخراً، نظمت وزارة الإعلام عدة دورات تدريبية لموظفيها حول الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مجال الإعلام، وقد لاقت هذه الدورات استحسان وانبهار أغلب المشاركين. وأظهر وزير الإعلام، الدكتور رمزان بن عبدالله النعيمي، اهتماماً كبيراً بتبني هذه التقنيات ودمجها في مختلف أنواع الإعلام. تُعتبر هذه الخطوة إنجازاً يُحسب للوزير، إذ كان داعماً للاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة لتطوير الإعلام.

يبقى الإعلام في حالة تطور مستمر، والتكيف مع التحولات التكنولوجية أصبح أمراً حتمياً لضمان البقاء والتنافسية. على المؤسسات الإعلامية أن تتبنى الابتكار كجزء أساس من استراتيجيتها لضمان مستقبل مشرق ومليء بالفرص في عالم الإعلام الجديد.