- الجمال في عدم الكمال فلسفة «وابي سابي»، يوماً ما قرأت عن فلسفة يابانية لفتت انتباهي في أشياء كثيرة لها تأثيرها في الحياة، وتدل هذه الفلسفة على أن نرى كل شيء غير مكتمل جميلاً، لأنه فعلاً الجمال في عدم الكمال، وأيضاً نرى في بعض الأحيان وبنسبة كبيرة على الأصعدة كافة، لابد أن يكون المجال به نقص، ولكن عموماً يظهر بشكل جميل ومتكامل بالرغم من نقصه مهما كان، ولذلك لابد من تطبيق تلك الفلسفة بالقناعة التامة بأن الجمال في عدم الكمال.

- أحياناً تكون الضوضاء سبباً رئيساً في جمال الشيء، وبشكل خاص بعض الدول قد اشتهرت بصوت الكلكسات «هرن السيارات»، فأغلب سياح هذه الدولة يذهبون للسياحة لها وهم على علم بتلك الأصوات التي قد تمتد على مدار الساعة، ولكن يبقى الأمر هنا بأن جمال هذه الدولة في الأصوات المذكورة، ومقارنة بالهدوء ورغبة أي سائح أن يبحث عن الراحة إلا أن تلك الدولة غنية عن التعريف بهذه الميزة، فيصبح الأمر بأن جمال هذا الشيء في عدم اكتماله وهو منع صوت الكلكسات «هرن السيارات» الذي اعتاد أغلب السياح على سماعه.

- وقد نعلم جميعاً بأن العالم أجمع يمضي قُدُماً نحو سياسات متعددة واتفاقيات ومعاهدات دولية لسير عمل كل دولة على حدة، وذلك بناءً على سياسة كل دولة ومعاييرها التي تعمل بها، فتأتي الحروب بين أغلب الدول كعائق لتلك السياسات المتفق عليها، بينما تكون تلك المعاهدات خيراً وسلاماً لسياسة الدول، ولكن ذلك العائق لم يكمن جمالية السياسات أمام شعوب دول العالم، لابد من أن نرى بأن الحرب جزء جميل من السياسة، أياً كانت نتائجها بشكل عام، سلبية أو إيجابية، ومهما كانت خسائرها، ونعلم أيضاً بأن الدول التي تخضع لأي حرب يكون اقتصادها سيئ للغاية.

- فلنأتِ للمجال الفني أو التحف الفنية التي قد تكون في مقدّمة المراكز الأولى في شكلها الفني، وذلك بسبب أن هناك شرخاً في نصف التحفة يعطي انطباعاً جمالياً في وصفها، وبالرغم من ذلك، أنها غير مكتملة بسبب ذلك الشرخ، فتصبح نسبة إعجاب المشاهدين لها كبيرة جداً بسبب عدم اكتمالها، وأيضاً قد يكون الرسام خلال رسمه للأشخاص لم يتمكّن من رسم ملامح الأشخاص بحرفية تامة، فتظهر الصورة أجمل من الواقع بسبب عدم الوصول للشكل المطلوب في الرسم، فينبهر صاحب تلك الصورة غير المكتملة.

- ومن الجانب العملي قد يكون أغلب المسؤولين ذوي منصب ووجاهة، وفي الأصل أغلبهم لا يملكون جميع الصلاحيات، ويفتقرون التعامل بسلاسة ودبلوماسية وغير مرغوبين في بيئة العمل، بينما حين نقرأ أسماءهم بمناصبهم نرى جمال هذا الاسم بالرغم أنهم مسؤولون دون صلاحيات، فالأمر هنا يبقى على جمال المنصب دون تفاصيله غير المكتملة، فنرى بأن هذا المسؤول شخص مثالي بمثل منصبه بكامل صلاحياته حتى وإن كنا نعرف بأنه مسؤول دون صلاحيات.

- والطبيعة أيضاً تعبّر أحياناً عن الجمال، على سبيل المثال نرى البستان مليئاً بالزهور والورد الطبيعي ذات الألوان التي تسرّ النظر، وفي الحقيقة بأن ذلك المنظر محاط بالأشواك المُضرّة، ونرى أغلب المساحات الخضراء جميلة جداً، ولكن وضعت بالطرق الصناعية وليس بالزراعة الطبيعية، ولكي نرى المساحات الخضراء الصناعية جميلة، يجب أن نراها بأنها طبيعية كي لا نتأزم من نظرتنا العامة بها.

- والحكمة هنا تحتّم على من يطبقها بأن يرى الشيء الجميل في انتقاصه، لكي لا يستصعب أي نقصان سواء أكان بسيطاً أو جسيماً فتتغير النظرة لديه لذلك الشيء، فيصبح كل شيء من حوله لا قيمة له، وجميعنا مؤمنون بأن الكمال لله وحده، فلا يمكن بأن نرى جميع الأشياء الجميلة مكتملة إلا إذا أقنعنا أنفسنا بأنها جميلة بالرغم من نقصانها، وهنا تكون فلسفة «الوابي سابي» اليابانية بأن الجمال في عدم الكمال صحيحة، وأنه يجب علينا تطبيقها لكي نرى الحياة من زاوية الجمال التام، وأن النقصان في الشيء هو اكتمال جماله.