الأمن والسلام هما الواحة التي تضمن النهضة والتقدم والسعادة للمجتمع، فكيف للفرد أن يحفظ هذه الواحة الآمنة وارفة الظلال، دانية القطوف والثمار؟ إن كثيراً من العواصف تهب يومياً على الحقول والخمائل! وكم هي أطنان الرمال الناعمة التي تحملها الريح فتلقيها على الفيلات الراقية، والخمائل الساحرة، والواحات الواسعة الوارقة! فأين تذهب الرمال بعد أن تسكن الريح العاصفة؟ كثيراً ما هطلت السماء مطراً فغسلت الأشجار والشوراع! وجعلت الطيور تغسل ريشها في ماء رائق! وكم انسابت مياه في الجداول والأنهار فجعلت الحقول تزدهر بالأخضر بعد أن تمكن التصحر منها ردحاً من الزمن؟ وعلينا أن نحارب التصحر الذي يتركه الصراع مع أسباب الحياة ولا يمكن لك أن تفوز في معركة «التصحر» إلا بغرس مزيد من أشجار «السلام والمحبة والرحمة»! وكي نحصد مواسم الفرح والسرور علينا أن نطارد الكآبة من حولنا! لا علينا من أولئك الذين لا يريدون ان يستقلوا قطار الحياة في انتظار قطار الموت! السلام يغمر النفوس بالأمل في البناء! ويمسح عن الروح عناء الصراع مع أسباب البقاء! السلام يشعرنا بلذة الحياة وحملها من دون قلق لما يجري في الضفه الآخرى حيث تسكنه الاقدار التي لا نعلم عنها. وكم تعشق أرواحنا حب السلام وتسعى نفوسنا للأمن والسكينة والطمأنينة ولكن ما الذي يحقق طمأنينة الفؤاد ويغرس الأمن والسلام في حنايا الروح! ثلاث قنوات تسير بتواز وانسجام رغم اختلاف الغاية والمآلات! القناة الأولى «دائرة الحياة»، وهي أن تعيش فيها بكل ما أعطاك ربك من خير وصحة ومال وجمال، لا تحرم ذاتك ولا تنسَ نصيبك من الدنيا، هذا هو قسمك من حياتك في حلوها ومرها، فلتعش شاكراً مستمتعاً بكل ما أبدع الله لك، وقسمه لك من رزق وعطاء، وسواء قطفت الورد بلا أشواك أو أدماك الشوك قبل اقتطاف الزهور، فهذا قسمك من هذه الدنيا!

أما الدائرة الثانية فهي دائرة «الكدح»، وهي فرض لازم على كل مخلوق، فقد كتب على كل ابن آدم نصيبه من الشقاء والعناء، ولا يبتئسنّ فرد بهذا الواجب المقدور، فكل ما يصيب الإنسان من مرض أو فقد أو طلاق أو ضياع مال وغير ذلك كلها في دائرة «الكدح» الذي يستوجب «الصبر»، والبشارة دائماً للصابرين الذين يواجهون مشكلات حياتهم بشجاعة وحنكة من دون أن تفسد آلامهم حظهم من السعاده في التمتع في حياتهم.

أما الدائرة الأخيرة التي لا ينبغي أن تجور على أجواء الدائرتين السابقتين، فهي «القدر المحتوم»، إنها القضاء الذي لا قبل للفرد بدفعه وليس على الإنسان إلا أن يعمل من أجله بالخير، والإيمان أن نهاية الإنسان ليست مرتبطة بمرض أو عرض من صراعات في الدائرة الثانية، إنما هو الارتهان للقدر الذي قدره الله وإزاء ذلك كان على الإنسان ان يرضى حقا بالقدر مستسلماً للقضاء، عالماً أن النهاية محددة سلفاً منذ الأزل، ولا قدرة لمخلوق على منعها ولكل الذي يملكه هو الانقياد والعمل الصالح فهما الزاد الذي على كل إنسان التزود به إن أراد أن يأنس قلبُه بالأمن في الدنيا، وترتاح وتطمئن روحه في الآخرة.