لا أخفي أحداً سراً، أني في كثير من الأحيان أشعر أن الكتابة من أجل تصحيح أخطاء يعاني منها وطننا، والكتابة من أجل نقد الواقع أصبحت مؤلمة للكاتب أكثر من المتلقي والقارئ.
أن تكون كاتباً فهذا أمر فيه مسؤولية كبيرة، وفيه مخاطرة أكبر، كتبت قبل الآن ذات مرة أننا نشعر بين فترة وأخرى وكأننا نسير في حقول الألغام، نرى الأرض أمامنا منبسطة، لكن ما إن نضع أرجلنا فيها، حتى ينفجر اللغم، وتكون النهاية.
الكثير أصبح يتغنى بحرية الرأي والتعبير، لكن هذه الحرية حرية «خديجة» تشبه الطفل الذي ولد قبل أن يتم الشهر التاسع، ويعيش في بيت زجاجي..!
ربما للمرة الأولى أكتب أن فكرة اعتزال الكتابة راودتني كثيراً، بل إنها أصبحت تشغلني وتشكل لي هاجساً، ليس لشيء سوى أن هذه المهنة تجلب المتاعب والصعاب والعداوات، وتجعلك تخوض حروباً لا تنتهي، وأحياناً أخرى تجعلنا نشعر بألم حين نعرف بعض الحقائق ولا نستطيع كتابتها، وهذا الأمر أكثر أمر مؤلم للكاتب الذي يحب وطنه، ويعشق ترابه.
فكرة الاعتزال في هذا العمر تحتل مساحة من التفكير، لولا أن هناك أموراً تتعلق بعملنا الرئيس لكنت أقدمت عليها.
لكل الزملاء والزميلات في الوسط الصحافي المحبة والتقدير، لكن صرنا نسمع كثيراً بيننا وبين أصحاب المهنة، أن الأيادي النظيفة في هذه المهنة قلة، وهناك شريحة غير نظيفة، واليوم قد أمضيت 25 عاماً من العمل في الوسط الصحافي، و18 عاماً من الكتابة، وأصبحت أعرف خبايا وأسرار المهنة.
تذكرت عنوان رواية الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز «الحب في زمن الكوليرا»، ونحن اليوم ربما نغير العنوان ونقول «الكتابة في زمن الكوليرا»..!
وللمفارقة فإن الكوليرا فعلاً موجودة بالبلد، والكوليرا أنواع..!
نكتب من أجل وطننا وأهلنا وقيادتنا، بينما من دون أن نعلم هناك من يقود حروباً ضدنا في الخفاء «حتى إننا ربما لا نعرفهم ولم نلتقهم قط»، وهناك من يريد إسكاتنا ربما، أو جعلنا كتاب علاقات عامة، أو نشبه الملحن الذي يقف أمام العازفين، هم يعزفون، وهو يلحن ويرفع يديه وينزلها، البعض يريد صحافة من هذا النوع، وهي صحافة مربحة، وتجعلك في وضع اجتماعي جيد.
لم تبرح عني فكرة الاعتزال يوماً، لا أعرف متى تأتي، ومتى يأتي ذلك القرار الصعب..!