في لقاء تلفزيوني مع أحد كبار مؤسسي صناعة السيارات في اليابان، تحدث الرجل عن بداية صناعة السيارات وكيف أصبحت لدى اليابان اليوم كبريات شركات السيارات عالمياً، فقال: «كنا في البداية نستورد السيارات من الخارج، ومن ثم نقوم بتفكيكها وإعادة تركيبها عدة مرات وربما عشرات المرات، وكنا نستورد السيارات من عدة دول، حتى عرفنا الأسرار، وعرفنا أيضاً الأخطاء، وحاولنا صناعة سيارات تتلافى أخطاء ما استوردنا». الرجل يتحدث عن مراحل التأسيس والبدايات، وقال أيضاً إن السيارات اليابانية لم تكن مقبولة لدى الأسواق التي تستورد السيارات الأمريكية والألمانية والإيطالية والإنجليزية، لكننا من خلال الجودة والاتقان كسبنا بعد فترة ثقة المستهلك خاصة أن أسعارنا كانت أفضل.
الشاهد من هذا الاستشهاد أن الدول تضع أهدافاً وسياسات وإستراتيجيات من أجل أن تصبح دول صناعية كبرى، وتنافس غيرها، وتتلاشى أخطاء الغير، اليابان كانت للتو قد خرجت من الحرب العالمية، وإلقاء القنبلة الذرية عليها، ولم تكن لديها موارد، وليس لها نفط ولا غاز، لكنهم نهضوا في فترة قياسية وأصبحوا من الصف الأول عالمياً.
نحن اليوم نتحدث عن الاستثمار كثيراً، ولكننا ربما نسمي أموراً ليست ضمن الاستثمار الصناعي الحقيقي بأنها استثمار، فالمشاريع العقارية جيدة وربما ممتازة، لكنها استثمار للقطاع الخاص وينتهي بتملك أصحاب البيوت والأراضي لأملاكهم.
السؤال اليوم حين نتحدث عن تخصيص مليارات للاستثمارات، فإننا نسأل كمواطنين ماذا ستشيدون من صناعات كبرى، وصناعات مرتبطة بها، صغيرة ومتوسطة؟ الاستثمار في أحد تعريفاته هو جلب أموال محلية أوعالمية لإقامة مشاريع تنهض بالاقتصاد الوطني وتوفر فرص عمل لأبناء البلد، وتزيد التصدير والاستيراد، وتدخل للبلد العملات الصعبة، مما يجعل عجلة الاقتصاد كلها تدور.
غير أنه قبل هذا وذاك، فإن الاستثمار الحقيقي هو في بناء الفرد، وتعليمه، وتدريبه، هذا هو الاستثمار الذي تعتمد عليه الدول المتقدمة.
بالأمس نشر تقرير عن عدد المسافرين الذين عبروا مطار دبي، والرقم كبير وخيالي لكنه واقعي، فقد عبر مطار دبي 65 مليون مسافر، وإذا كان كذلك فكم أنفق هؤلاء المسافرون في المطار، وفي دبي، ولدى شركات الطيران وفي الأسواق الحرة وفي قطاع الشحن؟
وكم حقق المطار من أرباح، قد تفوق مدخول البحرين النفطي وغير النفطي في عامين؟
كل الدول تعمل من أجل أن تنهض ومن أجل ألا تعتمد على سلعة أحفورية ترتفع وتهبط، بينما نحن مازلنا ننشر أن عدد الذين عبروا جسر الملك فهد أسبوعياً ويقدرون بـ 240 ألف أسبوعياً «كمعدل»..!
حالة التقشف التي يبدو أنها تصيب صغار الموظفين وصغار المناصب هي في الأصل فشل في جعل اقتصاد البلد اقتصاداً دائم الصعود يرتكز على مرتكزات قوية وراسخة من الصناعة، والخدمات، والسياحة، وصناعة التكنولوجيا. نريد استثمارات حقيقية تأتي للبلد، فتفتح فرص عمل، وتساهم في الاقتصاد المستدام الصاعد، نريد مصانع نوعية تحتاجها المنطقة ويحتاجها الوطن، ومازال هناك مجال لذلك. نريد صناعات تغني المواطن عن شراء المستورد، وتجعل المنتج الصناعي البحريني علامة عالمية، من بعد أن أصبحنا نشتهر بصناعة المعسل.
** رذاذ
الكثير من المواطنين في التواصل الاجتماعي طرحوا فكرة، لماذا لا تستخدم البلديات زينة الشوارع التي استخدمت في العام الماضي؟ وهو سؤال مشروع وواقعي، لكن يبدو أن هذه الزينة ليست ملكاً للبلديات، وإنما تقوم بالدفع لشركات كل عام من أجل تركيب هذه الزينة، نقول «يبدو ذلك» وإلا لماذا لم تركب زينة العام الماضي؟ ويبدو أنه حتى في هذا الأمر هناك أمور مؤسفة تجعلنا نقول ما بقى شي ما «......»، ولا حول ولا قوة إلا بالله.