لعل التساؤل عن ملامح مشتركة لخطاب إسلامي جديد يعتبر تساؤلاً مكرراً في كثير من الدراسات والمقالات التي تناولت هذه الأزمة المعاصرة، ففي مقالة بعنوان «معالم الخطاب الإسلامي الجديد»، كتبها د. عبدالوهاب المسيري، في مجلة المسلم المعاصر عام 1998 أشار إلى ما أسماه «ظلمة» الحضارة الغربية وإفلاسها، وأن رموز الخطاب الإسلامي الجديد قد أدركوا هذه الحقيقة ومن هؤلاء «روجيه جارودي»، وكذلك انتشار دراسات غربية كثيرة تنتقد الحضارة الغربية وعلى رأسها مدرسة فرانكفورت «النظرية النقدية»، حيث أبرزت الأخطاء البنيوية في هذه الحضارة سواء على المستوى الفكري أو الممارسة، ثم يشير إلى أن المنظومة الإسلامية أصبحت جزءاً من منظومة دول العالم الثالث التي تسعى للحاق بالغرب، وهذا ما نادي به الليبراليون، أما اليساريون فاقترحوا دخول الماركسية من باب فشل العدالة الاجتماعية، أما الإسلاميون فتصوروا إمكانية «تبنى منظومة الحداثة الغربية ومزجها بالإسلام» وهكذا أقر الجميع - بمرجعية الغرب - وبدلاً من أن يطرح الإسلاميون تصورات إسلامية لكل مجالات الحياة أصبحت القضية هي «أسلمة» بعض جوانب الحداثة بلا إضافة ولا إبداع، وقد ظهرت الأصولية الدينية كامتداد جماهيري «شعبوي» احتجاجي على الحداثة الغربية، شأنها شأن الماركسية والأدب الرومانسي، ومسرح العبث في الغرب، وحتى الفكر القومي في الدول النامية في جوهره، محاولة لدخول الحداثة من دون فقد الخصوصية، والتيار الإسلامي جزء من هذه النزعة العالمية للانعتاق من هيمنة الحداثة حيث ثمة إحساس بأزمة الحداثة الغربية أخذ أشكالاً مختلفة في أرجاء العالم، وأخذ شكلاً إسلامياً في العالم الإسلامي، ولكنه يزيد عنها في الدول الإسلامية لارتباط الحداثة بالامبريالية واستعمار هذه الدول.
ويطرح المسيري نقداً متفائلاً للحداثة من خلال تقديم حلول تمثل ملامح للخطاب الإسلامي الجديد ومنها:
* أن ما يرفضه الخطاب الإسلامي الجديد هو امبريالية الغرب وادعاؤه المركزية، وكذلك الجوانب السلبية في الحداثة!
* حتمية التفاعل مع الحداثة الغربية واستيعاب ثمراتها من دون استيعاب منظومتها القيمية!
* الخطاب الإسلامي القديم خطاب توقيفي تراكمي، بينما الخطاب الجديد خطاب «توليدي» استكشافي يقوم على تطوير الفقه من الداخل ومن أرضية إسلامية.
* يقدم الخطاب الإسلامي الجديد خطاباً شاملاً في كافة مناحي الحياة يصدر عن رؤية معرفية شاملة.
* يدرك الخطاب الإسلامي الجديد أن مفردات المعجم الغربي ليست جزءاً من معجم لغوي فحسب، وإنما جزء من معجم حضاري متكامل.
* يتقبل الخطاب الإسلامي الجديد الفكرة القومية وعدم المواجهة معها كما كان سائداً من قبل حيث يقبل التنوع الحضاري داخل إطار «الوحدة الإسلامية العالمية» كما يقبل التحالف مع التيارات القومية.
ورغم إسهاب المسيري في محاولة وضع ملامح مقترحة لما أسماه «بخطاب إسلامي جديد» إلا أن ملاحظاته التي جاءت عام 1998 يصعب تقبل الكثير منها في الفترة الراهنة إزاء أطروحات راديكالية جديدة «دينية سياسية» ترفض السلطات القائمة، وترفض الحداثة والمدنية، وتخرج على القانون، وتؤول النصوص بصورة اعتسافية، بل تتقاطع مشاريعها مع قوى معادية تاريخاً وحاضراً وهو ما يشير إلى استمرار هذه الأزمة كما إن أطروحاته في التسعينات لا يمكن إسقاطها على كافة التيارات المتنافسة، حيث لاتزال الجماعات «الراديكالية»، «والصوفية»، و»السلفية» وغيرها منكبة على خطاب من دون أن تكون هناك محاولات، «من داخل هذه الجماعات» أو خارجها، للتطوير أو المراجعة. يتبع.