إن الحديث عن خصوصية في الخطاب الديني من حيث التجديد والمواءمة الاجتماعية في البحرين يعد بعيد المنال حتى هذه اللحظة ما لم يتم الدفع بقوى البحث والفقه والفكر في مضاميرها المختلفة، والاهتمام بها ورعايتها وإفساح المجال للتعبير عن رؤى جديدة بغض النظر عن تجاوزها للمدارس الفقهية القديمة طالماً التزمت بقواعد الموضوعية والأمانة العلمية، وترسيخ المصلحة العليا للوطن فوق الانتماءات الولائية للمفاهيم التقليدية التي تجعل من الولاء الوطن أقل شأناً أو هكذا يراد له!
كما إن تحليل الخطاب الديني وتجديده يفترض أن يتم من خلال بحوث منهجية تلتمس الاتجاهات الحديثة في تحليل الخطاب، والمناهج الكمية والكيفية التي يمكن من خلالها معالجة ظواهره واقتراح الحلول لمشكلاته على أساس فهم النص في سياقه الثقافي والاجتماعي، وضمن ما يتوافر له من خصائص أيديولوجية وبلاغية وإحكام فنيٍ ومنطقي.
وتحرص الدولة على ضرورة تخلي الخطاب الديني بكل توجهاته عن الطروحات «المتشنجه» أو التي تدعو إلى «الإقصاء» ناهيك عن ضرورة نبذ كل ما يدعو «للعنف والإرهاب»، وتدعو بين الحين والآخر إلى ضرورة تبني قيم التسامح والمحبة، واحترام حقوق الأديان والطوائف الأخرى، ولا تكاد تخلو المواد الصحافية والإعلامية عبر التقارير الرسمية أو ما ينشره الكتاب والمثقفون والإعلاميون من تأكيد هذه القيم وضرورة «تجديد الخطاب الديني»، ولكن السؤال يدور حول وجود «جهد ممنهج» أو «برنامج عمل» من أجل تجديد الخطاب الديني!
لقد عقد أكثر من مؤتمر دولي لمعالجة كثير من قضايا الخطاب الديني مثل مؤتمر التقريب بين المذاهب، كما انتظمت كثير من الفعاليات المدنية التي تضم رجال دين وفعاليات اجتماعية وسياسية وذلك للمشاركة في خطاب سياسي موحد من أجل نصرة القضية الوطنية، ولكن التوصل إلى مبادئ عامة «لقضية التجديد» لايزال بعيداً حيث إن بعض الانتماءات «الدينية» في تكوينها ونشأتها ليست ذات طابع محلي، وكثير من هذه التيارات الدينية إن هي إلا صدى أو امتدادات – لتيارات لها وجود في بلاد أخرى، وهو ما يتطلب جهداً أكبر بالتعاون مع منظمات إسلامية معتدلة ذات طابع إقليمي أو دولي.
كما إن الحديث عن الأشكال والقوالب الأكثر ملاءمة لتجديد الخطاب الديني يشي بضرورة فهم لب الخطاب وغايته حيث أشرنا سابقاً إلى أن الخطاب عموماً يستهدف الإقناع عبر حجاجية منطقته لأيديولوجية أو لعقيدة معينة، ولأن السياق أحد أهم الشروط الواجب أخذها في الاعتبار عند تحليلنا للخطاب، وأن اللغة ليست مجرد كلمات جوفاء في الخطاب بل هي تكثيف بلاغي للرموز يؤدي إلى تحقيق الاستمالة، فإننا نستخلص أهمية البلاغة في إعداد الخطاب وأدائه كتابة نطقاً، وصوتاً وصورة، ورسماً وإيماءة.
ويشير «رومان جاكيسون» في نظريته للوظائف اللغوية إلى أهمية الوظيفة المرجعية المتعلقة بمضمون الخطاب، ولكنا لا ننتبه إلى خمس وظائف أخرى تتعلق بمتلقي الخطاب وهي الوظيفة الانفعالية، والإيعازية، واللغوية، والفوق لغوية، وجميع هذه الوظائف لا تؤتي بثمارها إلا من خلال موقف اتصالي تفاعلي من عناصر العملية الاتصالية المعروفة «المرسل – الرسالة – المستقبل»، ويشير كثير من الباحثين إلى «البلاغة» بكل مفاهيمها الدلالية والجمالية باعتبارها عنصراً حاسماً في تحقيق الاستمالة، ولذلك كان التحذير من إغفال توافر المتطلبات المعرفية والنفسية واللغوية والجمالية اللازمة للخطاب – حسب نمطه التعبيري – وأثر ذلك على النفور أو الفشل في التأثير، فالنأي عن الخرافة أو النزعة المذهبية أو الطائفية، وتجنب التعصب، والبعد عن الإغراق الذاتي والتغريبي، ناهيك عن ترتيب الأولويات، عقيدة وشريعة وأخلاقاً، هذا إلى جانب التحلي بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى باعتبارها ركائز أساسية في أسلوب الخطاب الديني، أما عن القوالب والأشكال التي يقوم بها الخطاب الديني فإن جميع هذه القوالب والأشكال المستخدمة في الخطاب السياسي والإعلامي وغيرها متاحة، ويمكن استثمارها بحرفية ووعي يخدم أهداف الخطاب ومراميه.