إن حقيقة ما أدركته البشرية عبر التاريخ من جوهر الدين الاسلامي هو أنه دين العدل والمساواة، ورسالة الرحمة والخير للبشرية جمعاء، فدخلته أمم وشعوب كثيرة من شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها من دون قتال أو غزو وهو ما ينقض أرجوفة انتشار الإسلام بالسيف التي روجها ردحاً من الزمان جمع من المستشرقين، ثم ما لبث ان جاء هؤلاء المتشددون الجدد ممن ينتسبون – أو لا ينتسبون – للإسلام فيعيدون هذه الفرية الخائبة باستدلالهم بحديث «جئتكم بالذبح، إذ كيف يعلن القرآن الكريم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد جاء بالرحمة الشاملة لكل البشر ثم يجعله ينادي بالذبح في قبائل العرب والعجم؟ أليس لهؤلاء عقول يدركون بها؟
وبعيداً عن الجدل الذي دار – ولا يزال – حول صحة الحديث من ضعفه، وحتى مع افتراض صحة النص فإن مدلول المجيء بالذبح لا يؤول إلى الأمر بالذبح كما فهم هؤلاء أو إلى أي صورة أخرى من القتل «كالحرق» و»الغرق» و» الهدم « و»جز الرأس»، فكل هذه جرائم حرب ضد الإنسانية لم يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأتِ بها أو يدعو إليها! وأقصى مدى للتأويل أن يأتي الخطاب على محمل التهديد والزجر كما تشي ظروف النص المشار إليه. وكذلك كيف يسوغ أن يفهم أحدهم قوله صلى الله عليه وسلم «أن الرزق منوط بالرمح»، بينما القراءات المتعددة لسياق النص والموقف الذي جاء فيه كرد على كفار قريش لا يفيد مطلقاً ما أخذ به هؤلاء، وكأنهم يسوغون النهب والسلب وقطع الطرق؟ متناسين أن للحرابة حداً بنص قطعي الدلالة في القرآن الكريم! فأي خطاب هذا؟ لقد بث أحدهم «فيديو» قصيراً لفتى في مقتبل العمر – لا بأس في اجتهاده – بشرط ألا يتجرأ بالفتوى على مقيمي الصلاة إذ يقول مفتياً «إن جهنم مصير المتأخرعن الصلاة!»، وهكذا أدخل الفتى «الداعية» آلافاً بل ملايين من المسلمين في جهنم مستدلاً بقوله تعالى: «فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً»، «مريم: 9»، فأي استدلال هذا؟ لقد أخذ الفتى برأي واحد من آراء كثيرة يمكن الرجوع إليها عند تفسير الآية من مظانها واستخلص حكماً يوافق جبلته! أو ربما كان حسن الظن فأراد الترهيب من تأخير الفريضة، ولكن ليس هكذا تورد الإبل وليس إلى هذا الحد من الغلو والترهيب لمن أقاموا صلاتهم! فما بال من عصى الله بتركها جملة! إذن عليه وأضرابه أن يقيم أعواد المشانق لكل العصاة! ففي المثال السابق قراءات عديدة للنص، فمن المقصود بقوله تعالى «فخلف من بعدهم خلف»؟ فيها اكثر من قول. وكذلك في قوله تعالى «أضاعوا الصلاة»، هل المقصود هو التأخير أم التكاسل أم الإنكار؟ فكل حال له حكمه، ثم ما المقصود بكلمة «غيا»؟ حيث هناك أكثر من تفسير لها وليست قاصرة على أنها اسم «واد» في جهنم. بل ما قول هذا الفتى فيما درجت عليه بعض البلاد من تأخير الصلاة عامدين حتي يجتمع الناس فوجدنا بلادا يسارع أهلها إلى الإقامة عقب أداء النافلة مباشرة، بينما يتأخر أهل بلاد أخرى حتي يصل الزمن إلى نحو ثلث أو نصف ساعة أحياناً فما حكم هؤلاء في الفقه المتشدد؟
إنه من المؤسف أن يطالب حملة هذا الفكر الناس بالعودة إلى ربقة الدين والالتزام بأهدابه بينما هم ينفرون المسلمين من الصلاة ابتداء؟ ويستخدمون العنف والزجر وإعتساف النص في تأويل «ناشز»، فما بال غير المسلم إذن؟ بل العجب كل العجب أن، هؤلاء تناسوا أننا جميعا لن ندخل الجنة بأعمالنا ولكن برحمة الله عزوجل – كما ورد في الحديث الشريف – «لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا ان يتغمدنا الله برحمته» «رواه البخاري».
وهكذا يتسلل التناقض والفهم السقيم والجبلة الخشنة إلى روح النصوص ومقاصدها لينتج لنا خطاباً منفراً وصورة ذهنية مشوهة للدين، والدين من كل ذلك براء! «يتبع».