في سياق الحاجة إلى ضرورة تفكيك الفكر المتشدد أورد الدكتور عبد الله مبروك النجار عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر مطلبين أساسيين، الأول، هو إصلاح الاعتبارات «الشخصية» المتعلقة بالمتشدد، والثاني، إصلاح الاعتبارات «الموضوعية» المحيطة بهذه الظاهرة الضارة بالمجتمع، وأشار إلى أن العوامل الشخصية للمتشدد تدفعه إلى التشديد على نفسه وغيره بدافع الجهل، ظناً منه أن التشديد يضمن له إصابة الحق، وهو ما يعكس عدم الثقة بالنفس فيعوض عن مضمون العمل وجودته بالكثرة، مع أن هذا التشدد منهي عنه، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا تشددوا على أنفسكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانية ابتدعوها وما كتبناها عليهم» رواه أبو داود.
وإذا كان من المعلوم أن الأدلة الفقهية تتضافر مع بعضها البعض لتحقق مقصداً شرعياً محدداً نافعاً أو دافعاً للضرر، فإن هؤلاء ربما وقفوا عند مجرد قراءة الآية من دون فهم أو روية وتمحيص فينزلونها في غير ما أراد الشارع! فيفتي أحدهم بقتل هذا أو كفر ذاك، أو ربما أخرج الناس من جماعة المسلمين لأنهم ليسوا من جماعته، أو ليسوا ممن يدينون بنهجه ومذهبه فيحل قتلهم ويستحل أعراضهم وأموالهم! وقد روى البخاري في صحيحه «من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله – وليس كذلك – إلا صار عليه».
فالسمات الشخصية الخشنة للمتشدد تورث نوعاً من الحقد على كل المخالفين وبغضاً للمجتمع الذي من المفترض أن ينتمي إليه، وربما أدى إلى الانغلاق والكراهية والتكفير كما في منتسبي كثير من هذه الجماعات التي ترى نفسها على حق، وأن ما دونها على الباطل، أو أنها الفرقة الناجية، وهي آفة نفسية إلى جانب أنها آفة اجتماعية تعوق نمو المجتمع وترابط أفراده، حيث يفقد هؤلاء الأفراد الثقة في أقرب المقربين لديهم وإن كانوا آباءهم وأمهاتهم، ناهيك عن ازدراء المؤسسات الدينية والتعليمية والرموز الوطنية، بل ربما فرطوا في تراب أوطانهم، وقدموا انتماءهم الديني على انتمائهم الوطني، حيث يصبح الانتماء للجماعة أو الفرقة مقدماً على أي انتماء آخر فيسلم عقله وفكره لعقل جمعي أو فردي آخر ليس له فيه دور سوى السمع والطاعة لقائده أو ما تراه الجماعة صائباً أو غير صائب!
ويشير الدكتور عبدالله النجار إلى العوامل الموضوعية التي يجب أخذها في الاعتبار عند تفكيك هذا الفكر المتشدد ومنها ضرورة إعادة النظر في الاستخدام اللغوي في النصوص القديمة «غير القرآن الكريم وكتب الصحاح من السنة»، ومراجعة التعبيرات التي يمكن ملاءمتها مع دلالات العصر وثقافته، وبما لا يسيء لمقاصد الدين أو يغير من دلالات النص، ويضرب مثالاً لذلك في تعبير «ضرب القفا» الوارد في حديث عمر مع اليهودي الذي رآه يسأل الناس بسبب الحاجة والسن والجزية، فأكرمه عمر وأحسن إليه ورفع الجزية عن أمثاله، فرغم أن سياق النص مدلوله الرحمة والعلاقة الإيجابية مع غير المسلمين داخل الدولة، إلا أن ورود لفظة «ضربه على قفاه»، قد تلقفها المغرضون واعتبروها احتقاراً لليهودي مع أنها كانت من صور الملاطفة المقبولة في زمان وقوع النص، ويقترح الدكتور النجار إمكانية استبدال هذه العبارة بعبارة أخرى مثل «فلاطفه عمر»، أو «ربت على كتفه»، حتى لا يحمل النص على الإهانة من قبل المتشددين وجهلاء اللغة والفقه!
والحقيقة أن كثيراً من أمثلة هذا النص لايزال موجودا في تراثنا، وغالباً ما يساء تأويلها بعيداً عن مقاصد الشرع وجوهر الدين! «يتبع».