ضمن رفض الفكر المتشدد واقتراح الحلول التي تؤدي إلى تفكيكه وتجنيب المجتمع وخاصة الشباب من مخاطره يشير الدكتور محمد فوزي عبدالحي «2016» إلى دور التربية السليمة والتفنيد العلمي في غرس القيم وتصحيح الرؤى والتوازن بين الماضي الموروث والجديد المبتكر، وأن التربويين عليهم مسؤولية كبيرة في بيان الأسس الصحيحة للبحث والدراسة والملاحظة والاستقراء، وكيفية بناء الحجج وأسس النقد والتجرد في الحكم وملازمة الموضوعيه، حيث يجب تربية النشء على التفكير العلمي الذي دعا إليه القرآن منذ نزول الوحي، ويقصد به التفكير المنظم الذي يمكن به أن يستطرق في حياتنا اليومية، أو هو النشاط الذي يتجسد في أفعالنا وعلاقاتنا مع الآخرين بما يتضمنه من تراكم ونمو ومنهجية وتنظيم، كما يبحث في العلل والأسباب مع تقصي المقاصد والغايات، والاستيعاب الشامل من خلال الدراسه الوافية للقضية المنظورة، ودراسة الأدلة وموازنتها، وقد أشار الدكتور محمد فوزي إلى ضرورة بناء منظومة قيم فاعلة وحقيقية حيث أسس النبي صلى الله عليه وسلم هذه المنظومة في مجتمع التربية على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بما اشتملته من المحبة والإحسان والإيثار والعمل التطوعي والتكافل، وتخلت عن القيم الفاسدة كالحسد والكراهية والتناحر.
أما إحياء دور القدوة الحسنة فيمثل عاملاً حاسماً في خلق النموذج الوطني الصالح الذي يهتدي الناس به، ناهيك عن تشجيع ثقافة التعدد والحوار وتبادل الآراء، ومقارنة المذاهب من دون إكراه أو تخويف حيث يؤدي ذلك إلى تقبل الآخر تأكيداً للنص القراني في سورة الحجرات: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين».
إن تيسير حركة المعرفة والثقافة والاطلاع على الآراء الأخرى ذات المنهج الموضوعي والروح البناء سيدفع إلى الحوار الإيجابي والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى، وهي قواعد أساسية التزم بها الخطاب الديني الأصيل منذ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين وحاورهم، وكان في جميع أحواله رابط الجأش، صبوراً، حليماً، رفيقاً، يعرض قضيته في تواضع ورحمة، وقد سار على هذا النهج صحابته كعبد الله بن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما في حوارهما مع الخوارج قبل التحكيم، وكذلك جعفر بن أبي طالب مع النجاشي وعمر بن العاص إبان هجرة الحبشة، وهي كلها أمثلة لمناظرات حية حري بنا تدريسها كنماذج تطبيقية للخطاب الديني الراقي الذي ينتهي بنتيجة منطقية عقب اعتماد الأسس العقلية الصحيحة، واعتماد الحجاج الموقر بين المتناظرين، والتزاماً بالأخلاق والقيم والاحترام للكرامة الإنسانية، ناهيك عن بلاغة الخطاب ولغته وأسلوبه وسياقه، وهو ما يجعلنا نشعر بالفارق الحاد بين مثل هذا النموذج الإسلامي الصحيح في الحجاج، وبين ما تبناه مؤخراً من خطاب بائس أرباب الجماعات المتشددة المعاصرة التي يتماهى خطابها مع خطاب «هولاكو» إلى أهل الشام أو بغداد أو سلطان مصر «المظفر قطز»، فكان أن أذلهم الله وزالت دولتهم وذهب ريحهم ونصر أهل الحق عليهم ولم يبقَ في أذن الزمان منهم إلا صدى خافت ذليل.
أما أسباب انتشار هذا الخطاب المفزع ومبرراته وحججه وكذلك الجهات التي تغذيه وتقف وراءه - داخل بلادنا العربية والإسلامية وخارجها - فهذا موضوع تحليل آخر نرجو أن نقدمه في القريب إن شاء الله!