وضع المرشح الجمهوري دونالد ترامب، إحدى رجليه داخل البيت الأبيض، وبات قاب قوسين أو أكثر من اعتلاء سدة حكم أقوى دولة في العالم، وذلك بعد فوزه مؤخراً بالانتخابات التمهيدية في ولاية إنديانا وانسحاب منافسه الرئيس تيد كروز.
الصعود المفاجئ لعاشق رأس المال والشخصية التلفزيونية النرجسية، جاء على الأشلاء السياسية لستة عشر منافساً، وشكل زلزالاً سياسياً وحدثاً انتخابياً لا مثيل له، ليس في تاريخ الولايات المتحدة، بل والعالم أجمع، والذي بدأ يضع يديه على صدره خشية فوزه على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ذلك لأن فوز هذا المهرج، والذي دعا إلى عدم دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، وتعذيب المعتقلين الإسلاميين وقتلهم مع عائلاتهم، وبناء جدار فاصل مع المكسيك لمنع الوافدين من الوصول إلى الأراضي الأمريكية، سيشكل خطراً عالمياً بمستوى الخطر الذي يمثله «داعش»، وذلك حسب وحدة المعلومات الاقتصاديةThe Economist Intelligence Unit، وهي مؤسسة بحثية بريطانية، قالت في تقريرها إن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة يعتبر واحداً من أكبر 10 أخطار تواجه العالم، وقالت المؤسسة البحثية: «إن ميوله العسكرية نحو الشرق الأوسط وفرض حظر سفر على كل المسلمين للولايات المتحدة ستكون أدوات تجنيد قوية للجماعات الجهادية، مما يزيد تهديدها سواء داخل المنطقة أو خارجها».
وإذا كنت تعتقد أن أفكار ترامب العنصرية ضد المسلمين، تعكس تعصب وانعزالية صاحبها ولا تعكس المزاج العام للشعب الأمريكي، فأنت حتماً لم تقرأ كتاب «الهيمنة أم البقاء» من تأليف عالم اللسانيات والمفكر والناشط الأمريكي المعروف نعوم تشومسكي، الذي كان كتابه عن أحداث 11 سبتمبر ضمن قوائم أكثر الكتب مبيعاً في العام 2011، ولم تتوقف عند حدود مدينة «فيرجسون» وترى الوجه الآخر للعنصرية الأمريكية، ولم تتعلم من درس الغزو الأمريكي للعراق، ولا من دروس ما يسمي بـ «الربيع العربي».
يا عزيزي القارئ، شخصية المرشح المحتمل للبيت الأبيض، هي انعكاس لأهواء المجتمع الذي سينتخبه وشخصيته العنصرية، وتجسيد جديد وحقيقي للعقلية الأمريكية، وترامب وحين يستخدم «الإسلاموفوبيا» والعداء للمهاجرين المسلمين، فهو يعلم جيداً أن هذا هو الوقت المناسب لتفعيل هذه الموجة، وامتطائها للسير نحو البيت الأبيض، من بعد تفجيرات باريس وبروكسل وتعاظم إرهاب «داعش» بين الدول.
كنا وقبل أشهر قليلة، نتخيل أن وصول ترامب إلى مرحلة متقدمة من المنافسة على الانتخابات، أمر يكاد يكون شبه مستحيلاً، ذلك لأننا كنا نراهن على وعي الشعب الأمريكي، وأن من المحال أن يختار شخصية أقرب لأراجواز رأسمالي منه لرئيس، وإن حدث فإن القيادات السياسية والفكرية للحزب الجمهوري والذي مثله يوماً ما رؤساء مثل إبراهام لينكولن، وثيودور روزفلت، ودوايت إيزنهاور، ورونالد ريغان، وجورج بوش الأب، لن تدعم مرشحاً يفتقر إلى أي خبرة سياسية، ولم ينتخب لأي منصب سياسي محلي أو فيدرالي، لكن الواقع خالف جميع التوقعات، تماماً كما حدث مع الرئيس الأمريكي من أصول أفريقية بارك أوباما في انتخابات 2008.
اليوم بات العرب والمسلمين على مشارف واقعاً نافراً، قد يشكل لحظة فارقة في تاريخ العلاقات العربية - الأمريكية، المطلوب الاستعداد للتعامل معه، فوز ترامب بالرئاسة، يعني أننا مقبلون على لحظة جنون تفوق ما عشناه منذ سقوط العراق وحتى اليوم، تبدأ من الولايات المتحدة نفسها، ولا نعرف أين ستنتهي ولا أين ستتوقف؟
الآن، ومع الصدمات التي تتوالى علينا، سنبدأ بالإجابة على سؤال المليون، ماذا سيستفيد العرب من فوز ترامب؟
قد يفيد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية في تفجير كل الذكريات والمواقف والأفعال الأمريكية المخزية، ويساعد في شرنقة العقل العربي، وإزاحة الملاءة عن حقيقة «الحليف الاستراتيجي» ونياته وخططه تجاه دول العالم العربي والإسلامي، ورب ضارة نافعة..