كيف فات المهللون والفرحون بفوز المسلم صادق خان بمنصب عمدة لندن في الانتخابات المحلية التي جرت الخميس الماضي، بأنه مجنس من أصول باكستانية!!
الغريب في الأمر أن أكثر المطبلين والراقصين لفوز خان، هم من يهاجمون التجنيس ليل نهار، ويصفون الجالية الباكستانية التي تعمل في جهاز الأمن بـ «بالمرتزقة»، متناسين أن ابن سائق الباص الذي عاش معظم طفولته وشبابه في منزل حكومي، تقدمه الدولة البريطانية مساعدة للفقراء والمعدمين، واحد منهم.
لعلمك، أشقاء وأصدقاء وأبناء عمومة صادق خان، من الجالية الباكستانية، خدمت في هذه البلد، والبعض منهم استشهد دفاعاً عن هذه الأرض، ومن هلل وفرح بفوز خان بمنصب عمدة لندن، هم أنفسهم من وزعوا الحلوى والمرطبات على روح شهيد الواجب «المرتزق» محمد تنوير الذي استشهد في العملية الإرهابية بقرية كرباباد في الشهر المنصرم.
هل هي شيزوفرينيا أم نفاق أم جهل أم ماذا؟!
ما علينا.. دعنا نتخيل لو أن والد صادق خان رماه حظه العاثر على إحدى ضفاف دول الخليج، ولتكن البحرين مثلاً، هل كان لابنه أن يفوز بمنصب رئيس مجلس بلدي المحرق مثلاً؟ هل لك يا عزيزي المواطن أن تنتخب بحرينياً من أصول باكستانية؟
طيب، كيف فعلها الإنجليز وأتاحوا لمجنس الفرصة للفوز بمنصب عمدة لأهم عاصمة أوروبية وذات التاريخ الإمبراطوري والحضاري العريق؟
لا تدع تلك الأسئلة المفاجئة والمستفزة تفزعك، أرجوك، لا تشعر بأنك محاصر بأسئلة لا تجرؤ على الإجابة عليها بمنتهى الصراحة، اتركها ودعني أجيب عنك.
الإجابة المثالية وبمنتهى البساطة تكمن في الشعب الإنجليزي نفسه، والذي بنى أعرق ديمقراطية في العالم من خلال محاربة كافة أوجه العنصرية، بل واجتثاثها من جذورها، واحترام حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والحريات بمختلف أشكالها، وعلى رأسها حرية التعبير، والتي تمنح كل من يحمل الجنسية البريطانية، الحق في الارتقاء ما دام يملك مقومات النجاح.
الإنجليز حين صوتوا «للمجنس» صادق خان فذلك وفق مبادئ الدولة والمواطنة والانتماء المؤطرة للمساوة والحقوق والواجبات التي تربوا بها ونشؤوا عليها، لم يتوقفوا عند القشور ولم يبحثوا في صحيفته عن أصله وفصله، وقبيلته وبطنه وفخذه. وخان حين فاز، لم يفز بناءً على هويته أو ديانته أو أصوله الباكستانية، بل بوصفه بريطانياً مثله مثل أي مواطنٍ بريطاني، أباً عن جد، وهو ما ينقصنا، وأتصور أن الطريق طويل جداً للوصول إلى هذه القيم والثوابت الأساسية التي نص عليها ديننا الحنيف.
لا أعتب عليك عزيزي القارئ بقدر ما أعتب على نفسي لأني أول المقصرين والخطائين، ولست عنكم ببريء، فنحن، أفراد من كلا الطائفتين، ما زلنا نرتدي النظارة العنصرية نفسها منذ أكثر من عشر سنوات، مصرين على عدم تغيير عدساتها، فرحين أيّما فرح، بممارسة أسوأ انواع التحريض الطائفي والعرقي.
لقد خلق فوز صادق خان حالة من الضجيج على وسائل التواصل الاجتماعي، تابعت بشغف مفردات المشهد منذ الوهلة الأولى، بحثاً عن بقايا مجتمع واعٍ وناضج يبنى عليه الأمل في غد أفضل، البعض نسبه لطائفته وقال عنه شيعي، والطرف الآخر نفى نفياً قاطعاً هذه التهمة ونسبه لسنيته، والأدهى، والأنكى، والأفزع والأفجع أن كلا المختلفين تناسوا وهم في غمرة الخلاف أن الإسلام أكبر من المذهب.
شيئ مقرف، أليس كذلك!!