«إن استخدام أي كلمة من ألفاظ اللغة لا يقوم على اختيار اعتباطي أو على وجهة معينة من الدلالة، بل يحمل بشكل خفي موقفاً محدداً من الحدث الذي يقع التداول بشأنه»، هذه العبارة للدكتور عبد السلام المسدي من مقالة له عن سلطة السياسة وسلطة اللغة «2015»، حيث تشير إلى خطورة ما يتداول من مصطلحات وتعبيرات ترد يومياً في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية لأنها تشير إلى حد كبير إلى أن وسائل الإعلام وكما تشير نظرية التأطير Framing –على الأقل– تحدد لنا ما نراه حولنا «فالواقع ليس كما تراه بل كما تراه هذه الوسائل وتحدده لنا». وقد يختلف الكثيرون مع هذه المقولة التي رددها وولتر ليبمان Walter Lippman في بدايات القرن الماضي إلا أن كثيراً من النظريات الأخرى كنظرية الاعتماد على وسائل الإعلام، ونظرية الغرس، ونظرية الاستخدامات والإشباعات، وغيرها من النظريات التقليدية وصولاً إلى نظريات المجال العام لهيبرماس وغيرها من نظريات الإعلام الجديد التي تمنح الجمهور مساحة واسعة من إنتاج الرسائل جميعها لا تنتقص من الدور الفارق الذي تقوم به وسائل الإعلام في عمليات «التأطير الإعلامي»، وأن قضية «الحياد» تكاد تصبح من أساطير الممارسة الإعلامية في هذا العصر نظراً لنمو الصراعات السياسية والإيديولوجية، واعتماد كثير من الممارسات الإعلامية تكنيكات الدعاية بغرض كسب الرأي العام حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة، وقد كانت المنظمات الإرهابية ومنها «داعش» مثالاً صارخاً على استغلال المنصات ووسائل الإعلام الاجتماعي لتحقيق مآربها، عبر بث رسائل الرعب والإرهاب من خلال إنتاج رسائل صوتية وفيديو بإنتاج محترف بغية التأثير السلبي في الجمهور من خلال الترهيب، وتجنيد الشباب المحبط ذي الأحلام المعيشية الضائعة من ناحية أخرى.

أما وسائل الإعلام التقليدية في المنطقة فإنها ظلت تمارس كثيراً من أخطائها التقليدية في تناول الظاهرة، ومن ذلك: التركيز على الحدث وليس الظاهرة بمعنى عدم التعمق والتحليل الشامل لجوانب الظاهرة والاكتفاء بالعرض الإخباري السريع لها كحدث وقع وانتهى، وقد أدى ذلك إلى هيمنة الطابع الإخباري على تغطية وقائع الإرهاب التي حدثت في المنطقة منذ التسعينيات حتى الآن، ولم تكن هناك مقاربة شاملة «عملية» في محاربة هذه الظاهرة. وأدى ذلك المدخل إلى نهج المعالجة الإخبارية السطحية للظاهرة الإرهابية وغياب التغطية الاستقصائية، وممارسة الوظيفة التفسيرية والتحليلة للظاهرة كما ينبغي. يتبع.