أميرة صليبيخ




قررت أن أزور الممشى لأمارس المشي قليلاً وأقبض على بعض النسمات الباردة قبل أن يداهمنا فصل الصيف من جديد. كان المكان مزدحماً بالأطفال والأمهات والآباء، وتفيض الحياة به، رغم الضوضاء الهائلة التي عزلتها عني بلبس السماعات والإبحار في البودكاست الذي أسمعه. لم يكن الخارج يعنيني بقدر ما كان تركيزي على الداخل «نفسي»، لكن شد انتباهي أب يقف مع ابنته الصغيرة ذات الست أو سبع سنوات، وهو يعلمها كيف تلاطف قطة هناك، وعندما مررت بهما كان يبتسم لي فخوراً بابنته أو هذا ما شعرت به، ففرحت من هذا السلوك الإيجابي للأب، فالتعلم في هذا السن هو ما يعلق في الذاكرة ويشكل هوية الأبناء لاحقاً.


عندما أنهيت الدورة الثانية حول المضمار، عدت للموقع ذاته فوجدت القطة قد انتقلت على بعد أمتار من تلك العائلة واستلقت على العشب البارد. لحظات وتأتي والدة الطفلة حاملة معها عصا طويلة ومتوجهة نحو القطة ومعها طفلتها والأب كان يقف مبتسماً ببلاهة. كانت الأم تهدد القطة بالعصا وتطلب من طفلتها الصغيرة أن تفعل مثلها وأعطتها عصا أصغر -وكأنها جاءت مجهزة بكل هذه العصي للممشى- فأرعبوا القطة التي هربت وبقوا يلاحقونها وهم يضحكون!

كان موقفاً غريباً ومزعجاً في الوقت ذاته. لم أعرف ما الذي تحاول هذه العائلة غرسه في هذه الطفلة بالضبط! ففي حين كان الأب يعلمها اللطف، كانت الأم تعلمها العنف في ظل صمته وبقائه جامداً مكانه بدون تعليق أو أية حركة!

هذه السلوكيات المتناقضة من قبل الوالدين ترسخ في الأبناء مفاهيم خاطئة وتعلمهم ازدواجية المعايير واختلال المبادئ، دون إدراك منهم، وسيظهر ذلك لاحقاً من خلال تعاملها مع الجميع سواء كانوا حيوانات أو أقران أو أهل وغيرهم. فالتصرف الصحيح بالنسبة للطفلة بعد هذا الموقف المتناقض قد يرسخ لديها مفهوم بأنه لا بأس بضرب القطط وترويعها، ولا بأس من فعل ذلك أمام مرأى الجميع فلا أحد سيتدخل، وأنها مهما أخطأت فهي تعرف أن والديها سيدعمانها ويباركانها ويقفان بجانبها.

هذه أمثلة بسيطة قد لا تشغل بال الوالدين أبداً ولن يستوعبوا عمق تأثيرها إلا بمرور السنوات. فيجب عليهم الانتباه إلى ما ينقلونه إلى أطفالهم من خلال تصرفاتهم الشخصية وردود أفعالهم التي سيقلدونها، وأيضاً من خلال تصرفات الأبناء المسكوت عنها والتي قد يفسرونها بأنها تصرف صحيح وسليم.

العادات متوارثة والسلوكيات متوارثة أيضاً، فانتبه للإرث الذي ستنقله لأطفالك، لأنه سيصبح سمة في العائلة جيلاً بعد جيل.