أمل أمين


سمعت في الراديو قصة عجيبة عن فتاة رقيقة الحال أحبها رجل حباً جنونياً إلى درجة أنه كان مستعداً لعمل أي شيء لإرضائها.

وكانت الفتاة مهووسة بشراء الحقائب والأحذية والعطور المعروفة ومنتجات الماركات العالمية، إلى درجة أن زوجها أفلس وبدأ في الاستدانة حتى يرضيها، ثم وصل الأمر إلى أنه سرق من العهدة المالية التي في ذمته، كل هذا ليسعدها وليلبي وعداً قطعه لها قبل الزواج بأن يلبي كل احتياجاتها.

وطبعاً دخل الزوج السجن بسبب الديون، وعندما حرمت المرأة من زوجها عرفت أنه أكثر قيمة من العطور والماركات، وطلبت من أختها أن يتدخل زوجها الثري ليسدد ديونه، وهو ما حصل وبدأت المرأة تبيع كل ما اشترته من مجوهرات لتضمن حياة كريمة لطفلها القادم، وفي نفس الوقت تساعد زوجها في أن يبدأ مشروع بعد أن فصل من عمله، بعد أن عرف المديرون أنه أخذ من العهدة دون علمهم.

في الواقع كنت أعتقد أن القصة مبالغ فيها، حتى رأيت إحدى قريباتي وقد أصابها هوس الشراء، ليس شراء ماركات عالمية أو غيرها، لكنها أصبحت عضوة في أحد مجموعات التسوق، ومنذ هذا الحين اعتادت أن تشتري كل العروض المتاحة سواء كانت بحاجة لهذه الأشياء أم لا!!

وقد تحدثت إليها مرة لأعرف ما هو السبب وراء ما تفعل، فأكدت أن هناك مكسباً كبيراً في العروض التي تشتريها، وعندما شرحت لها أن تكديس الأشياء يسبب الخسارة المادية، خاصة إذا فسدت المواد الغذائية التي تقوم بشرائها، أو تغيرت الأسعار وأصبحت أقل لكنها لم تكن مقتنعة.

شعرت بالحزن والقلق على وضعها، وبدأت أقرأ عن مرض هوس الشراء، وبحسب علم النفس يعتبر هوس الشراء أو كما يطلق عليه «اضطراب التسوق القهري»، أحد أنواع الإدمان النفسي، ويصيب النساء بشكل أكبر من الرجال، ويعاني أصحابه من الحاجة المستمرة للإنفاق.

ويعتقد الأطباء النفسيون أن هذا السلوك قد يكون سببه هو الحاجة بالشعور بالتميز، أو لمحاربة الشعور بالوحدة، فضلا على أن المتسوقين القهريين يأملون أن التسوق سيغير منهم نحو الأفضل. لكن التسوق القهري لا يفي بأي من تلك الاحتياجات، وبالتالي قد يتصاعد سلوك المتسوقين.

وأظهرت بعض الدراسات أن متوسط عمر الأشخاص الذين يعانون من إدمان التسوق هو 30، في حين أن دراسات أخرى قد أكدت أن التسوق القهري يزداد بنسبة كبيرة في الفئة العمرية المتراوحة من 18 إلى 20 عاماً. ومن أعراض هوس الشراء، التسوق بشكل يومي أو أسبوعي، ومتابعة تخفيضات وعروض المحلات بشكل مستمر، والإحساس بالمتعة والنشوة عند التسوق، والاعتماد على التسوق كوسيلة لتحسين المزاج والتخلص من التوتر، والشعور بالندم بعد إنهاء التسوق وفقدان الرغبة الشرائية، وعدم القدرة على الادخار وسداد المديونيات.

ويعتقد بعض الأطباء النفسيين أن اضطراب التسوق القهري قد يرتبط بالتعرض لحوادث أو الشعور بالحرمان عند الطفولة، و تنشئة الطفل على أن الهدف من الحياة هو اكتساب أكبر قدر من الماديات، على اعتبارها مفتاح السعادة والنجاح، و قد يكون الاكتئاب أحد العوامل المؤدية للإصابة بالتسوق القهري، حيث توصلت إحدى الدراسات إلى أن 30% من مرضى الاكتئاب يعانون من هوس الشراء ويمكن علاج هوس الشراء إذا لم يكن حادا بالابتعاد عن الأسواق قدر المستطاع، وضبط الموارد المالية عن طريق الاكتفاء بالنقود المتوفرة بالمحفظة، وعدم استخدام بطاقات الائتمان، والابتعاد عن مواسم التسوق المشهور بالعروض والتخفيضات، مثل الجمعة البيضاء والسوداء، وشغل وقت الفراغ بمزاولة بعض الأنشطة الأخرى، مثل ممارسة الرياضة، وإذا كان التسوق القهري ناتجاً عن الإصابة بالاضطرابات النفسية الأخرى، مثل الاكتئاب والقلق، يجب الذهاب إلى الطبيب المختص، للحصول على الأدوية التي تساعد على ضبط الناقلات العصبية وتحسين المزاج، والخضوع لجلسات العلاج النفسي.