حنان الخلفان



عندما ننظر إلى لون الملح والسكر، لا نرى أي فرق بينهما، ولكننا ندرك الفرق بمجرد تذوقهما. وهذا ينطبق أيضاً على البشر؛ فهم غالباً ما ينسون ما نقول، وكثيراً ما ينسون ما نفعل لأجلهم، ولكنهم لا ينسون أبداً الشعور الذي تركناه فيهم. ومن هنا، يجدر بنا أن نكون حذرين في تعاملاتنا مع الآخرين، إذ يمكن لموقف عابر أن يمحو كل التاريخ الجميل الذي بنيته مع شخص ما.

الفطرة البشرية، أو بالأحرى طبيعة الإنسان، تفرض علينا أن نتذكر البصمة العاطفية التي يتركها الناس في قلوبنا، سواء كانت جيدة أم سيئة. وتذكر الفضل والعرفان، وعدم محو الماضي الجميل بسبب موقف لم ينل إعجابك أو لم يرضِك، هو أساس العلاقات الإنسانية السليمة. وكما يقول الحكيم: «لا تقلل من شأن أحد، فكثير من الناس يخدم من خذله ويحترم من يهينه».

من عجائب النفوس البشرية أنها تحب سماع النصيحة لكنها نادراً ما تعمل بها، فنرى عيوب الآخرين ونضخمها بدلاً من مساعدتهم على التحسن. علينا أن نكون أكثر وعياً بتصرفاتنا، لأن ردود أفعال الناس تجاهنا هي انعكاس لأفعالنا. فالناس كالمرآة، يعكسون ما نعرضه أمامهم. فهل نستطيع التصرف بصدق ولطف أكثر؟

أيها القارئ الكريم، إن الحياة مليئة بالقرارات التي تشكل مساراتنا وتحدد مصائرنا. ومن أهم هذه القرارات هو اختيار من نصاحب، ومن سيكون شريك حياتنا، ومن سنبقى معهم طيلة رحلتنا على هذه الأرض. إن البيئة التي نختار أن نعيش فيها والأشخاص الذين نحيط أنفسنا بهم، لهم تأثير كبير علينا، ليس فقط في تشكيل أفكارنا وقيمنا، بل أيضاً في تحديد مدى سعادتنا ورضانا عن حياتنا.

عندما تجد نفسك بين أشخاص ذوي نفوس قوية، كالنمور في شجاعتهم وعزيمتهم، قد تشعر بالحاجة إلى أن تكون مثلهم، أن تتنافس معهم في تحقيق الإنجازات والانتصارات. لكن في بعض الأحيان، قد يكون من الحكمة أن تختار طريقاً مختلفاً، أن تقود نفسك في اتجاه يتماشى مع طبيعتك وقيمك، حتى لو كان ذلك يعني أن تكون قائداً للنعام. فالنعامة، على الرغم من أنها لا تملك القوة الجسمانية للنمر، فإنها تملك صفات أخرى تمنحها القوة على طريقتها الخاصة.

إن المحيط الذي نختاره ليس مجرد خلفية لحياتنا اليومية، بل هو عامل رئيسي يشكل كيفية رؤيتنا للعالم وطريقة تفاعلنا معه. فكل شخص يحيط بك يترك بصمة على روحك، سواء أدركت ذلك أم لا. لذلك، من الضروري أن تختار بحكمة من تسمح له بدخول حياتك، وأن تكون واعياً لتأثير كلماتك وتصرفاتك عليهم. فالاختيار الصحيح لا يقتصر فقط على ما يناسبك في اللحظة الراهنة، بل يمتد ليكون دعماً ونمواً لك على المدى الطويل، ليصبح محيطك مصدراً للقوة والإلهام بدلاً من عبء يثقل كاهلك.

وبصراحة.. الحكمة تكمن ليس فقط في اختيار من يشاركك حياتك، بل في فهم أن هذه الحياة لا تُعاش في عزلة، وأن من حولك هم مرآة تعكس شخصيتك وقيمك. لذا، اختر مرآتك بعناية، واجعلها تعكس أفضل ما فيك. وبصدق، لنعترف بأن الحياة هي سلسلة متواصلة من التجارب، ومن خلال الاستفادة من تجارب الآخرين نتعلم دروساً قيمة. ألم يحن الوقت لنرى معاناة شباب في عمر الزواج يتجنبون الوقوع في الأخطاء التي تقودهم إلى قاعات المحاكم، متمنين الطلاق لأنهم لم يتوافقوا في حياتهم الزوجية؟ إن الاختيار الواعي والناضج قد يجنبكم الكثير من الألم والمعاناة المستقبلية.