قال السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنتونوف، لمجلة "نيوزويك" الأميركية، إن نظاماً دولياً جديداً بدأ في الظهور، وأن الولايات المتحدة من المرجح أن تخسر فيه على المدى الطويل إذا لم تتحرك للتأقلم معه، رغم جهودها لتأكيد الزعامة العالمية من خلال دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.

أنتونوف، اعتبر أن الأزمة الأوكرانية أصبحت، من دون مبالغة، "نقطة تحوّل في تاريخ العلاقات الدولية".

ورأى السفير الروسي، أن التطورات التي حدثت خلال الأعوام الثمانية الماضية، التي بدأت في عام 2014، عندما أدت انتفاضة في أوكرانيا إلى صعود حكومة موالية للغرب، واندلاع انتفاضة انفصالية موالية لموسكو في شرق أوكرانيا، "تخضع لدراسة دقيقة" من قبل الدبلوماسيين، والمحللين، وعلماء السياسة، وأنها "ستظهر بشكل كبير في كتب التاريخ".



"حرب ضد النازية"

وأعرب أنتونوف، عن ثقته في أن "الكفاح البطولي لشعب روسيا ضد النازية سيبقى في الذاكرة في أجزاء مختلفة من كوكبنا"، مُشيراً هنا إلى رواية الكرملين للأحداث التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا والذي تصفه موسكو بـ"العملية العسكرية الخاصة" التي تقول إنها تهدف إلى "نزع سلاح" أوكرانيا و"تحريرها من النازية".

ووصف أنتونوف هذه الجهود على أنها "استمرار للحرب السوفيتية ضد ألمانيا النازية"، التي وصفها بـ"الطاعون البني".

ودعمت الولايات المتحدة رواية كييف، واعتبرت الصراع حرباً عدوانية غير شرعية، وغير مبررة شنتها روسيا ضد دولة مجاورة تطمح إلى الانضمام إلى الكتلة الغربية، أي حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي.

ورفض المسؤولون في الولايات المتحدة، وأوكرانيا، وجود أي علاقة بين الحرب الحالية والنازية، رفضاً قاطعاً.

ورأى أنتونوف، أن الولايات المتحدة شنت حملة طويلة الأمد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تهدف إلى "إنشاء معقل مناهض لروسيا" على الأراضي الأوكرانية من خلال وسائل حكومية وغير حكومية "تشجع العداء تجاه كل شيء روسي".

وتابع: "وهنا يثار التساؤل، لماذا كان من المهم للغاية للولايات المتحدة إنشاء منطقة مضطربة على حدودنا؟ على كل حال، روسيا أُضعفت للغاية بالفعل نتيجة لأحداث عام 1991، وكانت تعيش أوقاتاً عصيبة ولم تستطع منافسة الولايات المتحدة".

توسع الناتو

وقالت "نيوزويك" إن الحرب في أوكرانياً، هي الصراع الأكثر دموية بين روسيا، ودولة مجاورة في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ولكنها ليست سوى آخر صراع يندلع بسبب اعتراض موسكو، على توسع الناتو في أوروبا الشرقية على مدار عقود.

وفي عام 2008، عندما أعلن الناتو لأول مرة أنه سيدرس طلب أوكرانيا الانضمام إلى الحلف خلال قمة في بوخارست، أعلن التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة أنه يدرس أيضاً طلب جورجيا.

واتهم أنتونوف الدول الأعضاء في الناتو بعدم الوفاء بوعودهم بعدم التوسع في أراضي الاتحاد السوفيتي السابقة، على الرغم من إنكار التحالف لتقديم مثل هذه الضمانات.

وبعد شهور من انعقد القمة، اندلعت الحرب في جورجيا، حيث دعم الكرملين إقليمين انفصاليين متحالفين مع موسكو.

ولا تزال، منطقتا أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتان قائمتين حتى الآن كجزء من سلسلة الصراعات المجمدة في مناطق النفوذ السوفيتي السابق.

واتهم الكرملين كييف، وداعميها الغربيين بانتهاك الاتفاقات الخاصة بأوكرانيا، وخاصة اتفاقيات مينسك التي تمت صياغتها لتهدئة الصراع في أوكرانيا بعد أحداث 2014.

وتتهم موسكو وكييف بعضهما البعض بانتهاك بنود الاتفاقيات بشكل متكرر، ودعمت الولايات المتحدة مطالب أوكرانيا حتى اندلاع الحرب.

"جين الاستثناء الأميركي"

وفي مسعاه لتفسير ما وصفه بـ"استراتيجية البيت الأبيض المناهضة لروسيا"، أشار أنتونوف، إلى ما أسماه بـ"جين الاستثناء الأميركي".

وأشار السفير إلى تاريخ طويل من هذا المفهوم، بدءاً من كلمات جون وينثروب، حاكم مستعمرة خليج ماساتشوستس في القرن 17، إلى الرئيس الراحل رونالد ريجان، الذي حكم خلال بعض السنوات الأخيرة من الحرب الباردة في ثمانينات القرن الماضي، وحتى الرئيس الحالي جو بايدن.

وقال أنتونوف إن واشنطن تبدو بحاجة إلى تأكيد وجودها من خلال التنافس مع روسيا. وأضاف: "الأمر يبدو وكأن شبح الاتحاد السوفيتي لا يزال يطارد أروقة السلطة في العاصمة الأميركية، وأن الحرب الباردة لم تنته على الإطلاق".

وتابع السفير: "الكثير من السياسيين هنا لا يزالون يفكرون ويعملون وفقاً لقوانين تلك الفترة التاريخية، ويعتقدون أن استعادة مكانة روسيا الدولية مع وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة في بلادنا أصبح صداعاً لواشنطن".

التحدي الأكثر خطورة

ومنذ وصوله إلى السلطة لأول مرة في مطلع القرن الـ21، سعى بوتين علانية إلى استعادة مكانة موسكو كقوة عظمى، بعد الاضطرابات التي استمرت لعشر سنوات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

ورغم أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا شهدت لحظات تحسن وتدهور خلال هذه الحقبة، أثبتت الحرب في أوكرانيا أنها التحدي الأكثر خطورة حتى الآن.

ويرى أنتونوف، أن الحرب في أوكرانيا تمثل - بشكل ما - فائدة استراتيجية لواشنطن، موضحاً أن الصراع في أوكرانيا جعل الولايات المتحدة في وضع أفضل لتنفيذ أفكارها لإضعاف روسيا.

وتابع: "من الأسهل بكثير توحيد المجتمع داخل الولايات المتحدة، وفي المعسكر الغربي بأسره حول فكرة العدو الأجنبي الذي يقوض قيم العالم الديمقراطي. وفي الوقت ذاته، يُمكن دائماً إلقاء اللوم في المشكلات الخاصة، والحسابات الخاطئة على الاتحاد الروسي، واستخدام روسيا لتبرير إنفاقها العسكري غير المسبوق".

"رحلة معقدة لبناء عالم جديد"

أنتونوف، اتهم الولايات المتحدة بتدمير علاقات المنفعة المتبادلة بين روسيا وأوروبا، بحجة التطورات في أوكرانيا، ما يجعل أوروبا "تعتمد بشكل كامل على واشنطن".

وأكد السفير أنه "قد يكون من السهل اعتبار الولايات المتحدة متفوقة على روسيا في المنافسة القائمة بينهما". تابع: "للوهلة الأولى، قد يبدو أن الأميركيين ينتصرون في كل مكان ويحتفظون بقيادتهم على حساب أرواح الجنود الأوكرانيين. إنهم يأملون - بهذه الطريقة - في الحفاظ على الهيمنة على الساحة العالمية، التي تجرأ شخص ما على تحديها لأول مرة منذ فترة طويلة. ومع ذلك، الأوضاع اختلفت".

وأضاف أنتونوف: "من الواضح أننا في بداية رحلة معقدة وطويلة لبناء عالم متعدد الأقطاب يدعو فيه الاتحاد الروسي، إلى أخذ مصالح جميع المشاركين فيه في الاعتبار في نظام العلاقات الدولية مستقبلاً، وأن يكون لمراكز التنمية الجديدة في آسيا، وإفريقيا، وأميركا اللاتينية، والشرق الأوسط، تأثير متساو على العمليات العالمية مثل روسيا والولايات المتحدة".

تنافس لن يتوقف

ورأى أنه "من السذاجة" افتراض أن التنافس بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة سيتوقف بين عشية وضحاها، وقال إن واشنطن بالتأكيد ستبذل قصارى جهدها للحفاظ على موقعها الرائد، و"إسكات صوتنا".

وأضاف السفير أن المواجهة الروسية الأميركية - إذا استمرت - يجب أن تتسم بالاحترام المتبادل"، مؤكداً أن ذلك هو أساس العمل الدبلوماسي والتواصل البشري.

وأشار أنتونوف، إلى استمرار الاتصال المنتظم بين البلدين خلال بعض الفترات الخطيرة من الحرب الباردة، بما في ذلك أزمة الصواريخ الكوبية، التي جلبت العالم إلى شفا حرب نووية قبل 60 عاماً.

وقال إن موسكو مستعدة لتوسيع نطاق الحوار بين الولايات المتحدة، وروسيا للعمل على الأولويات المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب الدولي، وتغير المناخ، والأوبئة، وضمان الاستقرار في منطقة القطب الشمالي.