الحرة

عندما أمرت الحكومة الإيرانية بالإغلاق في جميع أنحاء البلاد لمدة يومين على خلفية "الحرارة غير المسبوقة"، اكتشف الإيرانيون والخبراء على حد سواء سببا آخر غير معلن لهذه العطلة القسرية، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز".

وأعلنت إيران، الثلاثاء، عن عطلة عامة لمدة يومين استجابة للحرارة "غير المسبوقة"، وأمرت جميع الدوائر الحكومية والبنوك والمدارس بالإغلاق، وهي خطوة غير معتادة.

وإيران، بلد متنوع جغرافيا مع جبال وتضاريس شاهقة يمكن أن تشهد طقسا أكثر برودة في بعض المدن، فيما تشهد مدن أخرى درجات حرارة مرتفعة مثل العاصمة طهران والمناطق الجنوبية من البلاد.

وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن السبب الحقيقي وراء الإغلاق العام في إيران لمدة يومين يعود إلى أن البلاد ليس لديها ما يكفي من الغاز الطبيعي الذي يساعد شبكة الكهرباء على الحفاظ على التيار الكهربائي

ويأتي الإغلاق بعد أن اعتبرت الأمم المتحدة أن يوليو الماضي أكثر الشهور المسجلة سخونة على الإطلاق، في وقت تجتاح موجات الحر مساحات شاسعة من الكوكب. لكن شبكة الكهرباء الإيرانية منهكة فوق طاقتها، حيث تحتاج ضخ المزيد من الغاز الموجود تحت الأرض وإصلاح الشبكة.

وتحقيقا لهذه الغاية، تحتاج الحكومة الإيرانية إلى الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا المتقدمة، اللذين تم حظرهما منذ سنوات بسبب العقوبات الغربية المفروضة بسبب البرنامج النووي.

ومع ذلك، تقاوم الحكومة الإيرانية، التي يهيمن عليها المتشددون من رجال الدين، الانصياع للضغوط الدولية مقابل تخفيف العقوبات، وتخلت عن الدفعة الاقتصادية التي قد يجلبها ذلك، حتى لو كان الأمر يعني استمرار معاناة المواطنين الإيرانيين.

وقال الخبير الاقتصادي بمعهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية، مهدي قدسي، إن الحكومة الإيرانية "بين المطرقة والسندان".

ولا ترغب الحكومة في الانصياع للغرب وهي أيضا غير قادرة على معالجة الغضب الشعبي الواسع النطاق بشأن التضخم وانهيار الخدمات، بحسب الصحيفة. بالنسبة للقيادة الإيرانية، فإن المقاومة بأي ثمن هو الهدف المنشود، كما يقول المحللون.

وأضاف قدسي أن "الأمر يتعلق بالبقاء وليس التقدم"، مشيرا إلى أن الدولة تتخذ إجراءات طارئة أخرى قصيرة المدى مثل طباعة النقود لسد ثغرات الميزانية بغض النظر عن التضخم الإضافي الذي قد يسببه ذلك.

ويقول خبراء البيئة في إيران إنه لسد الفجوة التي تتسبب بها زيادة استهلاك الطاقة الكهربائية، لجأت البلاد إلى حرق المازوت، وهو زيت وقود منخفض الجودة ملوث لدرجة أن السكان يشكون من الاختناق بسبب الدخان الأبيض.

وحذر محللون إيرانيون مناهضون للحكومة من تدهور الاقتصاد إلى جانب نقص المياه والطاقة، حيث إن ذلك من شانه أن يثير غضبا متفجرا بين العديد من الإيرانيين تجاه قادتهم.

ويعتقد كثيرون منذ فترة طويلة أن الحكومة مهتمة بإرغام النساء على تغطية شعرهن وتعزيز حلفائها السياسيين في الخارج أكثر من اهتمامها بجعل الحياة ملاءمة للعيش داخل البلاد.

في المقابل، نفى متحدث باسم شركة الكهرباء التي تديرها الدولة أن يكون الإغلاق ناتجا عن نقص في الإنتاج، قائلا إن محطات الكهرباء في البلاد لديها طاقة كافية، وفقا لموقع إخباري محلي.

ومع ذلك، يشكك سكان البلاد في أن الإغلاق العام جاء بسبب ارتفاع درجات الحرارة المعتادة في هذه الوقت من العام، لا سيما في الجنوب والعاصمة طهران.

وقال عامل في محل لبيع الكتب يبلغ من العمر 42 عاما يُدعى نيما في طهران، "لا أشعر بأي اختلاف في درجة الحرارة على الإطلاق. هذه الحرارة ليست جديدة أبدا".

إجهاد إمدادات الكهرباء

الخبير البيئي الإيراني، موجغان جمشيدي، أشار إلى أنه من غير المنطقي إغلاق كامل البلاد لأسباب تتعلق بالحرارة عندما تكون الأجواء في بعض المدن أكثر اعتدالا.

مع تدهور البنية التحتية للطاقة والطاقة في إيران مع مرور كل عام، ارتفع الطلب من قبل السكان والشركات والصناعات.

وسمح الدعم السخي للوقود والكهرباء من الحكومة للإيرانيين بالاعتياد على استخدام مكيفات الهواء صيفا والمدافئ التي تعمل بالغاز أيضا شتاء.

كما أدت الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل تعدين الصلب والعملات المشفرة إلى إجهاد الإمدادات.

وأنفقت إيران 19 مليار دولار على دعم الغاز الطبيعي العام الماضي أكثر بكثير من أي دولة أخرى باستثناء روسيا، وهو ما يساعد على تفسير سبب استهلاك الدولة لمعظم الغاز الطبيعي بمنطقة الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فقد انخفض الاستثمار في بنيتها التحتية إلى النصف تقريبا خلال العقد الماضي، مما جعل أجزاء من شبكة الكهرباء في البلاد أكثر قابلية للمقارنة مع تلك الموجودة في دولة نامية أو دولة تعيش حالة حرب من تلك التي كانت ذات يوم واحدة من أكبر مصدري الطاقة في العالم.

ولم يلب استيراد الغاز الطبيعي من تركمانستان الطلب، خاصة بعد تخلف إيران عن سداد فاتورتها في السنوات الأخيرة، مما دفع تركمانستان إلى إيقاف التدفقات خلال أوقات معينة.

وقال وزير النفط الإيراني إنه فيما يتعلق بالاستفادة من موارد الغاز الهائلة الخاصة بها، فإن إيران بحاجة إلى استثمارات لا تقل عن 160 مليار دولار للحفاظ على إنتاج الغاز والنفط عند المستويات الحالية.

واعتاد الإيرانيون في الجنوب على انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في فصل الصيف. وقالوا إن ما كان غير عادي هو الإغلاق على مستوى البلاد هذا الأسبوع.

لكن العديد من الإيرانيين الذين تمت مقابلتهم من قبل صحيفة "نيويورك تايمز"، الأربعاء، قالوا إنهم ذاهبون إلى العمل؛ لأن شركاتهم لا تستطيع منحهم عطلة في ظل اقتصاد متدهور تعيشه البلاد.