* 56 % من العائلات المسلمة تساند فكرة تعليم العربية في المدارس

* مسؤولة بـ"التربية الفرنسية" لـ"الوطن": تدريس العربية ضمن قيم المساواة والعلمانية

* اليمين واليمين المتطرف يعارضان إعادة تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية



باريس - لوركا خيزران

جدل يتفجر مجدداً حول تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية، حاملاً معه لغطاً وردود فعل متباينة في سياق جدل الهوية الذي لا ينتهي في فرنسا، إذ عاد اليمين المتطرف متسلحاً بـ"الإسلاموفوبيا" ليهاجم إعلان وزير التربية الفرنسي ميشال بلانكير دعم اقتراح لتدريس اللغة العربية بالمدارس، وهو اقتراح لاقى دعماً أيضاً من قوى اليسار والاعتدال التي ترى فيه حداً من تدريس اللغة العربية في مساجد "تصنع التطرف" على حد وصفهم. وندّد اليمين واليمين المتطرف في فرنسا بترحيب وزير التربية الفرنسي بتقرير يقترح "إعادة تدريس اللغة العربية" في المدارس من أجل التصدي للتطرف الإسلامي.

ولم يكد وزير التربية الفرنسي ميشال بلانكير يعلن دعمه لاقتراح قدمه معهد "مونتاني" للدارسات والبحوث والقاضي بتعليم اللغة العربية في المدارس العمومية بهدف "محاربة التطرف الإسلامي"، حتى ثارت غضبة اليمين المتطرف الذي اعتبر أنها محاولة "لتعريب فرنسا".

رئيس حزب "انهضي فرنسا"نيكولا دوبون إنيان "أقصى اليمين"، والذي وصف وزير التربية بـ "الديماغوجي"، قال إن "هناك خطة لتعريب فرنسا باسم فكرة محاربة التطرف الديني".

وقالت آني جيفنار النائبة عن حزب "الجمهوريون" "يمين"، لإذاعة "سود راديو" إنها "تعتقد أن وزير التربية جان ميشال بلانكيه "يرتكب خطأ: تعليم اللغة العربية في المدارس الثانوية لن يخُرج طفلا من المدارس القرآنية، ولن يحل مشاكل الخطب باللغة العربية، ولا انتشار السلفية".

وتساءل لوك فيري الوزير السابق للتربية الوطنية في عهد جاك شيراك لاذاعة "اوروبا 1" قائلا "من سيقوم بذلك؟ هل الامر يتعلق بالتصدي للتطرف الاسلامي أو إدراجه في منهج التربية الوطنية؟ برأيي انها فكرة جيدة في الظاهر لكنها سيئة في الواقع".

وأعربت المتحدثة باسم حزب "الجمهوريون" لورانس ساييه لاذاعة "ار اف اي" عن الاسف قائلة "ذلك معناه التأقلم مع المشكلة وليس حلّها"، مضيفة "كيف يمكن أن نتخيل اليوم ألا يتم توظيف كل الجهود لتعليم اللغة الفرنسية؟ الامور تسير بالمقلوب!".

في الجهة الأخرى، ترى قوى اليسار والاعتدال في فرنسا أن تعليم اللغة العربية في المدارس الفرنسية خطوة إيجابية تنفي حاجة أبناء الجالية العربية في فرنسا للتوجه للمساجد بغير غاية العبادة وبهدف التعلم ما"قد تصنع التطرف".

الصحافي فريديريك بيغن الذي ألف كتاب عنوانه "العلمانية في المدرسة" رأى أن "تطوير اللغة العربية في المدارس الفرنسية خطوة إيجابية". وقال "بالطبع هناك دروس باللغة العربية تعطى في المدارس الفرنسية لكن التلاميذ وعائلاتهم يقولون بأنها ليست اللغة التي يريدون تعلمها وبالتالي يتوجهون إلى المساجد".

من جهته، أكد حكيم القروي وهو من أعد التقرير الذي أيده وزير التربية الفرنسي، وهو تحت عنوان "صناعة الإسلام المتطرف" أنه "كلما تأخرنا في تعليم اللغة العربية في المدارس كلما ارتفع عدد التلاميذ في المساجد".

وأوصى معهد "مونتاني" الفرنسي المتخصص في الدراسات والبحوث في تقريره الأخير الذي صدر في 9 سبتمبر الحالي بـ "تعليم اللغة العربية" في المدارس العمومية كخطوة أولى "لمحاربة المتطرف وللحيلولة دون تنامي الأفكار المتطرفة والجهادية".

ودعا التقرير إلى فرض ضرائب على منتجات "حلال" لأجل تمويل بناء أماكن العبادة مثل المساجد وتجفيف منابع التمويل الأجنبي. كما أوصى بتكوين أئمة فرنسيين لإلقاء الخطب في المساجد وتعليم الدين الإسلامي وفق قيم الجمهورية الفرنسية ومبادئها.

ويأتي التقرير في وقت يسعى فيه الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إعادة تنظيم ما يسمى "إسلام فرنسا" وإيجاد مسؤولين من الديانة الإسلامية يحظون باحترام وبتمثيل واسع لدى الجالية المسلمة الفرنسية التي يقدر عددها بنحو 3.5 مليون نسمة حسب بعض معاهد استطلاعات الرأي.

وفي تصريح لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية اعتبر معد التقرير، حكيم القروي، أن "تعليم اللغة العربية في المدارس سيؤدي إلى تقليل عدد التلاميذ الذين يدرسون هذه اللغة في المساجد والأماكن الدينية الأخرى".

وأضاف "المعركة التي تدور حاليا هي معركة المعرفة، التلميذ في المدرسة بإمكانه أن يطور تفكيره ويضع الأحداث في إطار سياقاها التاريخي خلاف ما يمكن أن يستمع إليه في المساجد".

وانتقد حكيم القروي طريقة تعليم اللغة العربية في المساجد التي تعتمد غالبا حسب تعبيره على كتب ذات محتوى ديني فيما تسوق بعض الكتب الأخرى أفكارا ورؤى محافظة.

واعترف بوجود تأخر في تعليم اللغة العربية في المدارس. لكنه علل ذلك بقرار وزارة التربية إنصاف جميع اللغات، وقال في هذا الشأن "بما أن وزارة التربية رفضت تعليم لغة البروتون لسكان منطقة بروتاني غرب فرنسا فرفضت أيضا في نفس الوقت تعليم اللغة العربية".

وأشار القروي إلى أن "بعض العائلات لم تكن تنظر إلى هذا المشروع بشكل إيجابي"، معتبراً أن "كلما تأخرنا في تعليم اللغة العربية بالمدارس الفرنسية كلما ازداد عدد التلاميذ في المساجد".

وكان وزير التربية الفرنسي ميشال بلانكير قد أعلن أنه "يدعم فكرة تعليم اللغة العربية مثل باقي اللغات الأخرى ابتداء من الإعدادي". وأضاف الوزير الذي يريد أن يعيد للعربية "مجدها" أن "تدريس هذه اللغة لن يكون حكرا للتلاميذ ذوي الأصول العربية والإسلامية بل لجميع الأطفال الفرنسيين".

وفيما يتعلق بطريقة تدريس اللغة العربية، أكد حكيم القروي "ضرورة وضع إستراتيجية محكمة لمعرفة احتياجات بعض الأحياء والمدن في هذا المجال"، مشددا على "تكوين مدرسين أكفاء بإمكانهم تدريس اللغة بشكل أكاديمي وصحيح"، موضحا أن 56 % من العائلات المسلمة تساند فكرة تعليم اللغة العربية في المدارس".

وقالت المسؤولة في وزارة التربية الفرنسية إيزابيل فالان لـ"الوطن"، "تم طرح فكرة تدريس اللغة العربية في عام 2016 إلا أن تزامن المقترح مع هجمات إرهابية في فرنسا تبنتها قوى متطرفة جعل المجتمع في حالة خوف ورفض لأي مقترح من هذا القبيل، وما يحدث الان هو احياء لهذه الفكرة التي نعتقد في الوزارة انها ناجعة جدا".

وشهد عام 2016 تقديم وزيرة التعليم الفرنسية آنذاك نجاة بلقاسم مشروعا لتدريس اللغة العربية على مجلس النواب، وتزامن ذلك مع الهجمات الإرهابية التي عاشتها فرنسا، وكان المجتمع الفرنسي يعيش حالة توتر وخوف، ولذلك لقي المشروع معارضة كبيرة وجدال وصد، خصوصاً من اليمين الجمهوري، واليمين المتطرف، والحجة أنه إذا وقع تدريس العربية، فهو "تكريس أكثر للطائفية"، وظهرت الإسلاموفوبيا في تصريحات عدة حينها.

وتابعت المربية فالان، "ننطلق برؤيتنا من أن الجمهورية الفرنسية قائمة على العلمانية والمساواة لكل الفرنسين مهما كان اختلافهم، ونريد تذكير الرافضين أن اللغة العربية موجودة في بيوت كثير من الفرنسيين من أصول عربية".

وأكدت "ضرورة الاستمرار بتطوير المنظومة التربوية والتعليمية في فرنسا"، مشيرة إلى أن "تدريس اللغات الأخرى ليس موضوعا غريباً على فرنسا، ففكرة إدماج اللغات بدأت منذ استقبلت فرنسا يد عاملة من صريبا والبرتغال واسبانيا وتركيا والمغرب العربي قبل عقود". ويعيش في فرنسا ملايين الاشخاص من المتحدرين من دول المغرب العربي وهم يتكلمون العربية.