استخدم الجيش الروسي أسلحة متقادمة من الحقبة السوفياتية لدى غزوه جورجيا في 2008. لكن الوضع سيكون مختلفاً، إذا غزت موسكو أوكرانيا هذا العام، بعدما حققت تطوراً ضخماً في ترسانتها العسكرية، كما أوردت صحيفة "واشنطن بوست".

وأشارت الصحيفة إلى أن القوات الروسية التي دخلت إلى جورجيا، كانت مزوّدة بأجهزة اتصالات دون المستوى، ومعدات قديمة، إضافة إلى تنسيق ضعيف.

كما أنها أسقطت مقاتلات روسية خطأً. وبعد 14 سنة، تطوّر الجيش الروسي بشكل كبير، وأبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداداً لاستخدامه لتحقيق أهدافه في العالم.



وقال مايكل كوفمان، وهو محلل في الشؤون العسكرية الروسية بـ"مركز التحليلات البحرية"، وهو معهد أبحاث يتخذ فرجينيا مقراً: "في حين أننا قد نرى أن القوة الاقتصادية لروسيا راكدة وأن نفوذها الاقتصادي العالمي في تراجع نسبي، فإن قوتها العسكرية ليست في تراجع، بل تعاظمت. لا دليل على أن موسكو ستصبح تهديداً عسكرياً أقلّ في المستقبل".

تحديث الجيش الروسي

وذكرت الصحيفة أن أوكرانيا قد تواجه قريباً "القوة الكاملة للجيش الروسي الذي تبدّل بشكل ملحوظ"، حتى مقارنة بمرحلة ضمّ موسكو شبه جزيرة القرم في عام 2014، واندلاع نزاع انفصالي في شرق البلاد.

ويلفت محللون عسكريون إلى أن القوات الروسية تحظى بخبرة قتالية اكتسبتها من مشاركتها في الحرب السورية، وامتلاكها معدات حديثة، وتحسين التنسيق والإدارة بين وحداتها، وتمتعها بقدرة أكثر تطوّراً على استهداف أهداف من الجوّ ومسافات بعيدة.

كما أنها أعادت تنظيم وحداتها لخوض حرب جديدة محتملة في أوكرانيا، وتدرّبت على سيناريوهات يخشى مسؤولون أميركيون أنها قد تصبح حقيقية، مع تعزيز قطاع المتعاقدين العسكريين الخاصين.

في المقابل، نفذت أوكرانيا تحسينات عسكرية ضخمة، فيما التزمت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية لكييف قيمتها نحو 2.75 مليار دولار، منذ عام 2014، وساعدتها على إصلاح قطاعها الدفاعي وتوسيع هيكل قواتها المسلحة.

ودرّبت القوات الأميركية الجيش الأوكراني، كما أن الحرب ضد الانفصاليين في شرق البلاد، منحت جنود كييف خبرة قتالية كبيرة.

لكن محللين عسكريين ينبّهون إلى فجوات خطرة تعاني منها القوات الأوكرانية، مرجّحين ألا تصمد أمام هجوم واسع تشنّه روسيا، لا سيّما أن الأخيرة تتفوّق على كييف في المقاتلات والدبابات والصواريخ وعدد القوات.

حملة "صدمة ورعب"

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن أوكرانيا تفتقر إلى قوة بحرية أو جوية ضخمة، كما أن نقصاً في دفاعاتها الجوية الحديثة يعني أن هجمات جوية وصاروخية أولية تشنّها موسكو، يمكن أن تقضي على الكثير من القوة العسكرية والبنية التحتية لأوكرانيا.

ونشرت روسيا صواريخ من طراز "إسكندر" قرب أوكرانيا، ما قد يساهم في إطلاق حملة "صدمة ورعب" قبل أن تعبر أي قوات روسية الحدود.

وقال كيريل ميخائيلوف وهو محلل في "فريق استخبارات النزاع"، وهو منظمة تحقيق روسية مستقلة تستخدم مصادر مفتوحة لمراقبة الجيش الروسي: "واضح أن أوكرانيا ستُضطر إلى استخدام أنظمة (دفاع جوي) سوفياتية قديمة، ستكون شديدة التأثر بكل أنظمة الحرب الإلكترونية، وستكون روسيا قادرة على التحكّم بالمجال الجوي، وفعل ما تريده هناك بشكل أو بآخر".

وتعلّم الجيش الأوكراني القتال من الخنادق في خطوط مواجهة ثابتة إلى حد كبير، ضد الانفصاليين في الشرق، لكنه لم يكن بحاجة إلى المناورة في كل أنحاء البلاد، كما قد يتطلّب ذلك غزو روسي أوسع نطاقاً.

وقال الجنرال المتقاعد بن هودجز، القائد السابق للجيش الأميركي في أوروبا، إن الأوكرانيين يمكنهم أن يتطلّعوا إلى مضاهاة الروس على أرض المعركة، مستدركاً: "إنها قصة مختلفة عندما تتحدث عن (أسلحة) جوية وبحرية، وقدرات نارية بعيدة المدى".

واعتبر أن القوات الروسية تبدو بشكل عام أكثر مهنية، علماً أن موسكو أصدرت في عام 2019 قانوناً يحظّر على العسكريين استخدام هواتفهم الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف: "في عام 2014، تمكّنا من تتبّع كل وحدة تقريباً، لأن رقيباً شاباً كان يرسل صوراً إلى صديقته ويقول: إننا ذاهبون عبر الحدود. رأيت القليل من عدم الانضباط هذا، خلال الأشهر الماضية".

"جيش الأسلحة المشتركة"

بعد فترة وجيزة على غزوها أوكرانيا في عام 2014، بدأت روسيا بإعادة تشكيل جيشها، استعداداً لاحتمال خوض حرب برية أكثر ضخامة وتقليدية مع جارتها الغربية.

وتمثل ذلك في تشكيلات، مثل "جيش الأسلحة المشتركة" في الوحدة الثامنة بقوات الحرس، التابعة للقوات البرية الروسية، وتتخذ مقراً في مدينة نوفوتشركاسك، على بعد ساعة بالسيارة من الحدود الأوكرانية.

وساهمت هذه الوحدة في معركة ستالينجراد، عامَي 1942 و1943، ودخلت برلين في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، كما كانت على خط المواجهة مع قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ألمانيا أثناء خلال الحرب الباردة، قبل حلّها في أواخر تسعينات القرن العشرين. لكن بوتين أعاد إحياءها، في عام 2017.

وأشار الجيش الأوكراني إلى أن هذه الوحدة تشرف على مسلحين انفصاليين يقاتلون بالوكالة عن موسكو في شرق أوكرانيا، ودخل قائدها تلك المنطقة الصيف الماضي، من أجل تنفيذ عمليات وتدريبات قتالية.

وقال ميسون كلارك، أبرز محلّلي الشؤون الروسية في "معهد دراسات الحرب" (مقرّه واشنطن)، إن الوحدة التي تضمّ حوالى 18 ألفاً و500 جندي، يمكن أن تُستخدم للتوغل أكثر في أوكرانيا، انطلاقاً من الشرق، أو المساهمة في احتلال الساحل على بحر آزوف.

دروس الحرب السورية

كذلك أعادت روسيا إحياء وحدة أخرى اشتهرت في الحرب العالمية الثانية، هي "جيش دبابات الحرس الأول"، التي زُوّدت ببعض من أفضل المعدات العسكرية الجديدة وتحافظ على مستوى عالٍ من الجاهزية، وكانت في الأشهر الأخيرة تنقل عناصر إلى قرب أوكرانيا.

ونقلت "واشنطن بوست" عن فريد كاجان مدير "مشروع التهديدات الحرجة" بـ"معهد أميريكان إنتربرايز"، قوله في إشارة إلى الروس: "لم تكن لديهم مطلقاً القدرة في عام 2014، على حشد عناصر عديدة من جيوش الأسلحة المشتركة، من المقاطعات العسكرية الشرقية والوسطى، ونشرها في كل أنحاء البلاد بمواقع في بيلاروسيا وعلى الحدود. كانوا يتدرّبون على هذه القدرة طيلة سنوات".

واعتبرت الصحيفة أن تدخل موسكو في سوريا بدّل الجيش الروسي، ولا سيّما سلاح الجوّ، إذ عمدت موسكو إلى تناوب أكبر عدد ممكن من القوات في سوريا، وأحياناً في عمليات انتشار وجيزة جداً. وذكر الكرملين أن جميع قادة القوات البرية الروسية يتمتعون الآن بخبرة قتالية، وكذلك 92% من الطيارين العسكريين.

وقال سكوت بوسطن، وهو محلل دفاعي بارز في معهد "راند" الأميركي، إن الروس "حرصوا على التعامل مع سوريا على أنها نوع من مناطق تدريب بالذخيرة الحية".

خلال التدخل في سوريا سعت موسكو إلى تحسين قدراتها الصاروخية وعلى شنّ غارات جوية، واختبرت قدرتها على تنسيق الضربات الجوية مع الهجمات البرية. وقال كاجان، في إشارة إلى الروس: "جرّبوا في سوريا كل نظام أسلحة يمكنه التحليق".

في نهاية عام 2014، أنشأ الجيش الروسي غرفة حرب مركزية في موسكو تُسمّى "مركز إدارة الدفاع الوطني"، كُلّفت بالتنسيق بين القوات المسلحة والأسلحة خلال عمليات قتالية معقدة، بما في ذلك لتجنّب مشكلات واجهها الجيش الروسي خلال حرب جورجيا.

نقاط ضعف محتملة

وعلى رغم التقدّم الذي حققه الجيش الروسي، لا تزال هناك تساؤلات بشأن كيفية أدائه خلال غزو واسع لدولة كبيرة مثل أوكرانيا، علماً أن المجندين يشكّلون 30% من عديد الجيش الروسي.

ورجّح ميخائيلوف أن تكون الحكومة الروسية حذرة بشأن إرسال المجندين إلى القتال، نتيجة غضب شعبي محتمل.

وأعرب هودجز عن شكوك بقدرة الجيش الروسي على تنفيذ عمليات متواصلة في حرب شاملة ضد أوكرانيا، علماً أن تحديثه لم يُستكمل بعد.

كما أن ثمة أمثلة من التاريخ، عن جيوش قوية تنزلق إلى مستنقع، في مواجهة عدوّ أقلّ قوة، نتيجة افتراضات خاطئة أو أهداف سياسية غامضة، بحسب "واشنطن بوست".