«لماذا لا يتم تحديث طريقة خطب الجمعة لتنشر كمقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي مثلما تنشر مقاطع بعض الفنانات؟»، كان هذا سؤالاً طرحه المحلل السياسي والمغرد أمجد طه الذي زار البحرين مؤخراً للمشاركة في حلقة الحوار المفتوح «تأثير التواصل الاجتماعي السياسي على أفراد المجتمع»، التي نظمها مركز عبدالرحمن كانو الثقافي مشكوراً.

هذا السؤال المنطقي جداً والذي يمثل أمنيات وطموحات العديد من أفراد المجتمع الذين باتوا يرون أن هناك حاجة ماسة لاستحداث طرق تقديم خطب الجمعة لتتواكب مع متطلبات العصر ونمط الحياة وأن هناك ضرورة لأن يكون هناك تواجد لخطب الجمعة على مواقع التواصل الاجتماعي، فالعديد من الشباب اليوم يتواجد على هذه المواقع ويتأثر بها والعديد من الدراسات تؤكد أن هذه المواقع باتت تؤثر تأثيراً كبيراً على نمط تفكير الأجيال الناشئة وباتت تلعب دور المربي في حياتهم بسبب كمية الرسائل التي توجهها لهم خلال اليوم الواحد. وفي دراسة لموقع مجلة محرك البحث فيما يخص حجم النمو في قطاع وسائل التواصل الاجتماعي كشفت الدراسة النمو بين عامي 2010 و2015، عدد مستخدمي موقع السناب شات حوالي 200 مليون، فيما عدد مستخدمي تويتر 316 مليوناً، وعدد مستخدمي غوغل بلس 343 مليوناً، وموقع الإنستغرام 400 مليون، وأن أكثر المواقع استخداماً هو موقع اليوتيوب حيث يقدر عدد مستخدميه بأكثر من مليار مستخدم، في حين الفيسبوك يصل عدد مستخدميه إلى 1.5 مليار مستخدم!!

كما نشر موقع «سوشل ميديا توداي» عدداً من الحقائق عن مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2018، حيث أكد الموقع أن هناك تضخماً كبيراً بحلول 2021 حيث صار عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم 2.62 مليار مستخدم، ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 3 مليارات في عام 2021، كما أظهرت الإحصائيات أن صغار السن يحبون مواقع التواصل أكثر من غيرهم، إذ هناك 88% من الشباب بين الفئة العمرية من 18-29 يستخدمون منصة تواصل اجتماعي واحدة على الأقل، يليهم الشباب الأكبر سناً من 30-49 سنة بنسبة 78%، ثم فئة من 50-64 سنة بنسبة 64%، بينما لا تشكل نسبة محبي مواقع التواصل الاجتماعي من الفئات الأكبر عمراً من 65 سنة فما فوق أكثر من 37%.

كل هذه الأرقام والحقائق تؤكد أنه لا يمكن أن تكون خطب الجمعة بعيدة عن هذه المنصات الاجتماعية التي وصلت إلى جميع الفئات العمرية، بل من المفترض أن يكون هناك فكر جديد يحمل على عاتقه نمط التغيير الحاصل والاقتراب من اهتمامات الشباب وعوالمهم والتبسيط والتقديم بلغة قريبة منهم، واستحداث طرق إعداد وتقديم خطب الجمعة بحيث تنشر كمقاطع فيديو على هذه المواقع، كما من الممكن توثيقها على موقع التواصل الاجتماعي «يوتيوب»، لتكون متاحة للجميع يستطيع أي شخص الاستماع لها في أي وقت، فمثلما هناك انتشار كبير للمحتويات السطحية والتي لا تحمل مضموناً ذا فائدة مثلما مقاطع الفنانات والفاشينيسات التي تنتشر بسرعة البرق خلال دقائق في آلاف الحسابات، لا بد من أن نهتم بتعزيز ونشر المقاطع الدينية حتى تصل ويتأثر بها الشباب ويعاد تداولها آلاف المرات لتنتشر وتقتحم عوالمهم.

كما ينبغي علينا الاهتمام أيضاً وفي ذات الوقت بمضمون هذه الخطب وطرق تقديمها، ولا بد أن تواكب المواضيع المطروحة في خطب الجمعة تحديات وهموم الشباب وتلامس واقعهم، وأن تأتي بلغة مغايرة للنمط الروتيني المعتاد عليه في تقديم خطب الجمعة، فهناك حاجة لاستحداث المواضيع المطروحة بدلاً من تكرارها بنفس المضمون والهدف، وأن يكون جميعها يدور في فلك واحد، وينبغي أمام الغزو الفكري والثقافي لمجتمعاتنا أن تهتم الخطب بالتركيز على ملفات الأخلاق ومبادئ القيم الإسلامية التي أخذت تتراجع وتندثر وتتغير مفاهيمها لدى كثير من الشباب، خاصة أمام ظهور أنماط جديدة من الأخلاق والتصرفات والسلوكيات لم تكن سائدة قبل عشرين سنة من الآن، فهناك حاجة للاهتمام بطرح مواضيع في مسائل تقديم النصح والوعظ حتى في طريقة الحوار على هذه المنصات، والبعد عن الشتم ونشر الصور الفاضحة الحياء، والاهتمام بتقديم المضمون التفاعلي الراقي.

كما أن لغة التقديم لا بد أن تتغير هي الأخرى، خاصة في مسألة إنتاج مقاطع الفيديو للمواضيع الدينية، فكثير من المجتهدين في هذه المسائل للأسف عملوا على تنفير الشباب بدلاً من استقطابهم من خلال بث مؤثرات صوتية حزينة أو أنها تحمل نغمات الخوف والترهيب بدلاً من نغمات الحب والتقريب، فدائماً ما نلاحظ أن لغة هذه المقاطع تحمل عناوين عن الموت والبلاء والعقاب وعذاب القبر والنار، وكلها أمور لسنا ضد ذكرها وتناولها، ولكننا ضد التركيز عليها بشكل مبالغ، مما عمل على الإخلال بميزان المواضيع الأخرى التي تلامس اهتمامات الشباب وتعمل على لفت نظرهم وجذب اهتمامهم للاستماع إلى هذه المقاطع التي تأتي دائماً وفق نبرة صوتية واحدة معروفة، وللأسف بعض الخطباء دائماً ما يلجأ لأسلوب الصراخ الذي يحمل لهجة الخوف والفزع والهلع والتهويل والحزن، وكلها أساليب مع خالص الاحترامات لم تعد تستقطب الأجيال الناشئة إلا في حدود معينة، فلابد أن تكون هناك مقاطع بلغة تقترب من لغة الشباب وتحمل روح التفاؤل والخير والسلام والأمن والحب، وتعزز الإيجابية بين أفراد المجتمع، وتبرز النماذج الصالحة والشخصيات الإسلامية ذات القدوة الحسنة التي قادت التغيير وارتقت بالمجتمع الإسلامي.