تحدثت في مقالي السابق عن أهمية التحقق من احتياجات أفراد المجتمع قبل القيام بأي عمل خيري، لكي تتحقق الغاية من وراء العمل الخيري. كما أكدت على أهمية أن يكون عمل الخير داخل مملكتنا أولاً «فالأقربون أولى بالمعرف».

في دراسة بحثية أعكف على إعدادها حالياً، وجدت أن معظم أهل البحرين يقومون بأعمال خيرية من صدقة ووقف، ولكن للأسف هم يقومون بها خارج البلاد، فحفر بئر في إحدى الدول الآسيوية يكلف 60 ديناراً فقط، بينما لا يحقق هذا المبلغ نفس المشروع الوقفي في مملكة البحرين على سبيل المثال. وهذا هو السبب الأول الذي يجعل المواطنين يذهبون إلى دول أخرى للتصدق أو الوقف عوضاً عن بلادهم ومواطني بلادهم.

لست ضد التبرع للخارج لإيماني الشديد بأهمية تحقيق المنفعة للعالم أجمع، ولكني في ذات الوقت أرى أن ديناراً واحداً أنفقه على أحد المحتاجين في وطني سيكون له أثر أكبر.

لربما نفتقد للمشاريع الوقفية الكبيرة التي يشترك فيها عدد كبير من الواقفين كتلك التي توجد في جمهورية مصر العربية مثلاً كمستشفى السرطان، وهو المستشفى الوقفي القائم على أسهم المتبرعين والواقفين، وغيرها من هذه المشاريع. لربما ما زالت مشاريعنا الخيرية «تقليدية» بغياب مراكز الأبحاث المجتمعية التي تدرس احتياجات المجتمع، لربما نفتقد ثقافة التمويل الجماعي crowdfunding الخيري؟

من خلال وسائل تواصل الإعلام الاجتماعي نجد أن هناك حملات خيرية لجمع تبرعات لعلاج بعض المرضى، أو مساعدة بعض المحتاجين، وهي حملات مجتمعية ذات أثر عظيم. فكم هو جميل أن يتكاتف أفراد المجتمع من أجل مساعدة الآخرين.

أعرف أن هناك ممن يقرؤون كلامي هذا يقولون إن هذه الأمور ليست من مسؤوليتنا، بل يجب أن تكون هناك جهات رسمية تساعد الآخرين سواء المرضى أو المحتاجين أو الطلبة أو المعسرين. وأتفق جزئياً مع هذا الرأي ولكن أين نحن من الأجر العظيم في خدمة المحتاجين وأين نحن من مبدأ التكافل الذي علمنا إياه ديننا الحنيف.

كلنا نعرف الكثير من المتعففين الذين يخجلون أن يعبروا عن حاجتهم، كلنا نعرف العديد من المرضى الذين لا يملكون ثمن علاجهم باهظ الثمن، كلنا نعرف طالباً لا يملك دفع قسط الجامعة، وكلنا يعرف محتاجاً أو مستعسراً.. فلماذا لا نكون جزءاً من حل مشاكلهم عن طريق التبرع لهم، طلباً في الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى، ومساهمة منا في خدمة المجتمع.

* رأيي المتواضع:

«نزار» مواطن بحريني وأب لثلاثة أبناء، في العقد الثالث من عمره، عمل بجد واجتهاد لخدمة الوطن قبل أن يصاب بفشل كلوي منذ 3 سنوات، ويضطر لأن يقوم بعملية غسيل يومياً لمدة 9 ساعات. يحلم «نزار» بأن يجري عملية زراعة كلى لكي يعيش حياته بشكل طبيعي ويواصل تربية أبنائه وخدمة هذا الوطن.

فهل هناك جهة خيرية، أو جهة مجتمعية، أو أحد من أهل الخير يريد أجراً مضاعفاً في شهر الخير ويحقق حلم «نزار» في الشفاء من مرضه؟

هل يمكن أن تتبنى هذه الجهات تجميع مبلغ لمساعدة «نزار» كما تقوم بجمع تبرعات ترسلها للخارج؟؟ لا يحتاج نزار إلى سلة رمضانية، ولا إلى ماء، ولا إلى لحاف يقيه شر البرد. جل ما يريده مساعدة من جهة خيرية، أو متبرع ينشد الله الأجر ويقوم بالتكفل بمصاريف عمليته ليعيش ويستمتع بشرب الماء، وأكل محتويات السلة الرمضانية، والنوم دون ألم.