قرار صائب أن يصير لنا موقع متميز على خريطة الغوص لهواة هذه الرياضة البحرية العالمية، ليتفكروا في خلق الخالق المبدع في أعماق البحار، كما أنه يشكل جذباً سياحياً، فالغوص ليس بالجديد علينا ولا على دول الخليج العربي، إذ إن الغوص في أعماق البحر للبحث عن المحار الذي ينتج اللؤلؤ في جوفه، هو -أي الغوص-، قديماً مهنة تدر مالاً وفيراً لعدد كبير من سكان الخليج العربي، واشتهرت لآلئ البحرين خاصة، وذاع صيتها في أوروبا عن طريق فرنسا، وفي آسيا عن طريق الهند، أما في الوطن العربي، فحدث ولا حرج، فقد ورد ذكر لؤلؤ البحرين في قصة فارس بنى عبس عنترة بن شداد، قبل بعثة خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وفي الخمسينات من القرن الماضي، عشق شباب جريء ناشئ هواية صيد السمك خاصة الصبيطي والهامور والشعري والشعم بالبندقية التي تقذف سهماً من الصلب مشدوداً بمؤخرته بحبلٍ، وطرف الحبل الآخر بالبندقية، فإذا أطلق الصياد السهم نحو السمكة الهدف وأصابها، سحب السهم بما صاد، وبعد سنوات ومع تطور الغطس، ودخول أسطوانات الهواء المحمولة على ظهر الغواص، اتجه هذا الشباب إلى المحافظة على البيئة البحرية عن طريق جمع ما يرمى في البحر من نفايات، أو شبك صيد عالق في الأعشاب المرجانية «الفشوت»، أو أقفاص صيد السمك «القراقير» الكبيرة، بما يعني «الدوابي» ظل صاحبها الطريق إليها بسبب من الأسباب، هؤلاء الشباب شكلوا جمعية تعنى للمحافظة على البيئة البحرية تطوعاً، وقاموا بجهود يشكرون عليها، ويجب الالتفات إليها.

الحكومة الموقرة، بتبنيها هذا المشروع خصصت مساحة مناسبة من بحر المملكة لهذه الهواية، وحمايتها ومنع ممارسة صيد السمك فيها بأي طريقة من طرق الصيد، لأن في قاع هذه المساحة هيكل طائرة ضخمة من طراز بوينغ 747، إلى جانب هياكل سفن من الصلب، ولا أستبعد وجود فشوت صناعية تضاهي الفشوت الطبيعية -الشعب المرجانية- التي تتخذها بعض الأسماك مأوى آمناً لها، خاصة الأسماك التي تشبه أسماك الزينة التي تعيش في المياه العذبة، والتي تأتينا من دول آسيوية، ونشتريها ونضعها في أحواض في منازلنا للزينة. ومن أسماك الزينة الجميلة التي تعيش في هذه البيئة البحرية العنفوز وإمشيط العروس، وهذه السمكة ذات ألوان متعددة، إلى جانب سمكة بنت النوخذة والقين الذي يشبه الببغاء، وأسماك أخرى كثيرة صغيرة ومتوسطة الحجم، ومختلفة الألوان.

هيكل الطائرة والسفن الرابضة في قاع البحر عرضة لعوامل التعرية البحرية والتآكل، إذ تهاجمها طفيليات وطحالب نسميها في البحرين «النوْ»، وهي تشبه القواقع الصغيرة ولكن لها شهية عجيبة وتلتصق في الأجزاء المغمورة من السفن الخشبية وتلك المصنوعة من الصلب، وتؤثر تأثيراً سلبياً، قد يعرضها للثقوب إن لم تجر لها صيانة دورية لتخليصها منها، قديماً كنا نسمي هذه الصيانة «هباب المحمل»، بعد سحب السفينة إلى اليابسة قريباً من السيف.

السفن الخشبية المصنوعة محلياً بيد قلاليف بحرينيين مهرة مثل البوم والجالبوت والشوعي، هذه الصناعة تراجعت وأفل نجمها، خاصة بعد انتقال أولئك الرجال إلى جوار ربهم تعالى، وحلت محلها السفن المصنوعة من الفيبر كلاس، والكبيرة المصنوعة من الصلب التي تجوب المحيطات.

كان قديماً أو بالأحرى منذ الأربعينات من القرن الماضي يوجد حوضان جافان لصيانة السفن إلى الغرب الجنوبي من جسر الشيخ حمد، أحدهما ملك شركة يوسف أحمد كانو، والآخر تديره شركة كري مكنزي، وبعد إنشاء شركة مساهمة بحرينية لتصليح السفن في ميناء سلمان انتهت أهمية هذين الحوضين الجافين.

والآن أكبر حوض جاف في الوطن العربي، والموجود إلى الجنوب من مدينة الحد، بمساهمة من دول عربية ومنها مملكة البحرين، تقصده السفن العابرة للقارات للصيانة، والصيانة الدورية ضرورية لديمومة السفن، والملاحظ أن الطائرة في منتزه الغوص السياحي، وكما بث ذلك تلفزيون البحرين من القناة الأولى، كستها تلك الطفيليات والعوالق والحشائش والنو، وكذلك التي بجانب الطائرة، مع أن الفترة جداً قصيرة منذ افتتاح هذا المنتزه البحري، فما بالنا إذا طالت المدة أكثر من سنة، أعتقد أن الصيانة ضرورية لإطالة عمر هذا المتنزه، والدليل أن المركب «الطبعان» أو «المقصوص»، والطائرتين الفرنسيتين اللتين سقطتا في البحر إلى الشرق من الحد في الخمسينات من القرن الماضي والقادمتين من فيتنام، كل ما ذكرت، قضى عليه البحر بعوالمه وعوامل التعرية، ولم يبقَ من المركب «الطبعان» إلا القسم العلوي وهو منخور وسيسقط عاجلاً أو آجلاً.

* مؤسس نادي اللؤلؤ، وعضو بلدي سابق، وناشط اجتماعي