لطالما تساءلت كثيراً حول مفهوم الوطن،، ولطالما كانت عندي أسئلة شاذة في هذا الموضوع.. فهل الوطن الذي تنتمي إليه بالأصل والولادة، أي هو مسقط الرأس؟؟ أم هو كالأم التي لم تنجب ولكنها أحسنت التربية؟؟ أم إنه المكان الذي تشعر فيه بالرفاهية والمستقبل الأفضل والاحتواء؟؟

لطالما تساءلت كيف يستطيع البعض هجرة أوطانهم؟؟ كيف يستطيع البعض الإساءة لأوطانهم؟؟ لطالما تساءلت لماذا يفضل البعض أن يغيروا أوطانهم؟؟؟ ولطالما ما غلبتني العاطفة في هذا الموضوع، على الرغم من إيماني المطلق أن هناك آلاف الأسباب المقنعة لأسئلتي السابقة!!

عندما أجلس بين حشد من الناس، وأسمعهم ينتقدون، ويقارنون موطني الغالي البحرين بعدد من الدول، أتضايق، فوجهة نظري أن وطني البحرين ليس مثله بلد!!

أذكر أنني كنت في إحدى الدول الشقيقة لتقديم دورة تدريبية، وبعد انتهاء الدورة أصر المنسقون للدورة على أن نذهب للتعرف على المنطقة ونتناول العشاء، فلبيت الدعوة مسرورة لكي أستكشف منطقة أزورها للمرة الأولى.

ركبنا السيارة جميعاً وانطلقنا في جولة في المنطقة الهادئة التي كانت تجمع بين البحر والجبال في منظر لا أستطيع وصفه إلا بالمبهر.. ذهبنا إلى منطقة تجارية متواضعة، فقال لي أحد المرافقين: هنا ولدت وتربيت، ولكني بعد زواجي انتقلت إلى منطقة سكنية جديدة، البيوت هناك أكبر بكثير، والخدمات متطورة، وفرت لنا الحكومة هذه المناطق بتسهيلات رائعة وسهلة، وقطع كلامه وهو يسألني «يقولون البيوت عندكم وايد صغار»؟؟ ابتسمت قائلة برد دبلوماسي «بل كبيرة بأهلها»، انصدم من ردي، وكرر سؤاله بطريقة مغايرة «احنا عندنا المساحة أقل شيء يعطونك 750 متر، غير القروض الإسكانية الميسرة، أنتو كم مساحة الأراضي عندكم؟؟»، قلت له بفخر واعتزاز، «لا نملك من الرقعة الجغرافية الكثير، وهي أحد العقبات التي تواجهنا، ولكن اسألني، هل ادخر وطنكم جهداً لكي يوفر لكم السكن؟؟ وهنا سأجيبك بأن البحرين لن ولم تدخر أي شيء في سبيل راحة مواطنيها، حيث إن المواطن هو أساس التنمية لديها»، وتابعت قائلة «أتعلم بأن وطني البحرين هو أول بلد خليجي ينشئ مدينة إسكانية متكاملة؟؟ أتعلم أن البحرين من أوائل الدول الخليجية التي أدخلت الحداثة والمدنية، واستثمرت في العنصر البشري، فأنشأت المدارس النظامية، وبات العنصر البشري البحريني مصدراً للمعرفة لسائر الخليج». قاطعني قائلاً: «لا داعي أن تخبريني عن البحرين، فهي غنية عن التعريف، ولكني فعلاً منبهر من شدة اعتزازك بوطنك، في الغالب عندما نبدأ مثل هذه الأحاديث مع آخرين، يبدؤون في التذمر والانتقاد.. أعتذر بشدة، فالبحرين من أوائل الدول الخليجية تطوراً في كل شيء، أخبرني الكثير من الشيوخ هنا عن دور البحرين في التنمية ليس في البحرين فحسب بل حتى في الخليج»، وانطلق يسرد لي القصص الواحدة تلو الأخرى..

قبل أن تنتهي الجولة، قال لي: «علمتني اليوم درساً في الاعتزاز بالوطن.. شكراً لك..».

اليوم، وفي أزمة كورونا، أجد الجميع يطالب أن يرتمي في حضن الوطن، الكل ينادي من كل بلدان العالم «أريد أن أرجع إلى وطني».. سواء أكان هذا الشخص موجوداً في دولة أكثر تقدماً، أكثر جمالاً، أكثر تمدناً، أكثر حرية، أم دولة لم تهتم به طبياً، ولم توفر له الرعاية الطبية التي عجزت عن توفيرها لرعاياها!!

لا ألومهم، فالوطن مختلف.. الوطن هو الأمن والأمان، هو الحضن الدافئ الذي ليس كمثله حضن..

تجلت أكبر معاني الوطن وأنا أشاهد المواطنين ينادون أوطانهم، «نريد أن نرجع لحضنك،، فلا أحد مثل وطني».

* رأيي المتواضع:

وطني.. البحرين.. وطني الغالي.. وطني الذي يجعلني أشعر بالفخر والاعتزاز دوماً، وطني الذي لم يبخل علي بشيء مطلقاً، وطني الذي احتضنني كأم حنون، ووفر لي رغد العيش.. وطني الذي كافح كل الأزمات، وصارع الوضع الراهن، لكي تمر هذه الأزمة بأقل الأضرار..

وطني الذي قدم الكثير وأكد للمواطنين أنهم الأهم على الإطلاق.. وطني الذي عول على وعي شعبه في الخروج من هذه الأزمة، لإيمانه المطلق بأن «البحريني واعي».

بت اليوم أقرب معرفة لمعنى الوطن، فالوطن هو ليس المكان الذي تستوطنه أو تقيم فيه فحسب، بل هو المكان الذي يحتويك.. المكان الذي تثق بأنه لن يتركك مطلقاً، هو المكان الذي سيقف ليصد عنك المحن، هو المكان الذي سيجعل منك إنسان أفضل.. فشكرا لك يا وطني..