لتترك هيئات جودة التعليم أجندتها في جميع دول العالم ولتتبنى أجندة جديدة تمس الواقع الإنساني وتتبني قضايا تهدد كوكب الأرض مثل قضايا تغير المناخ والأزمات الصحية والحروب والتطرف السياسي وعدم المساواة الاقتصادية والتكاثر السكاني وتتضمنها في مناهجها التعليمية بطرق تعليمية جديدة . لذا تقدمت منظمة اليونسكو العربية للعلوم والتربية بمبادرة لرسم خريطة طريق لتعليم المستقبل وذلك لأنه هو الاستجابة ذات الأولوية البعد لمواجهة الكوارث التي تهدد حياة الإنسان على وجه الأرض سواء تلك التي تحدث بفعل الطبيعة أو بسبب فعل الإنسان والتي كشفت عن الوجه الآخر المظلم للحضارة الإنسانية المعاصرة المتمثل في أوجه عدم المساواة، والتفكك الاجتماعي، والتطرف السياسي وأعمال الإرهاب والتهجير القسري في العديد من المجتمعات. أما التقدم المحرز في الاتصالات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا البيولوجية فينطوي على إمكانات كبيرة إلا أنه يثير شواغل أخلاقية وإدارية جدية، ولاسيما أنَّ وعود الابتكار والتغيير التكنولوجي لها سجل غير متكافئ من حيث الإسهام في ازدهار البشر. وأطلق على هذه المبادرة «تعلَّم لتصبح الإنسان الذي تريد» الذي يشير بدوره إلى فلسفة تعليمية ونهج تربوي ينظر إلى التعلّم على أنه عملية تفتّح متواصلة تستمر مدى الحياة. فإن تفكير المرء في أن يصبح الإنسان الذي يريد هو استحضار منحىً فكري يشدد على القدرات الكامنة ويرفض الحتمية ويعبر عن الانفتاح على ما هو جديد. وكما جاء في المبادرة تمثل المعرفة والتعلم أعظم الموارد المتجددة التي تمتلكها البشرية لمواجهة التحديات ولابتكار البدائل. بيد أن التعليم يتجاوز الاستجابة لمتطلبات العالم المتغير، فالتعليم يحدث التحول في العالم واستشرافاً لعام 2050 وما بعده، ترمي المبادرة إلى إعادة تصور الطريقة التي يمكن أن يسهم من خلالها التعليم والمعرفة في الصالح العام العالمي. كذلك تحشد هذه المبادرة العديد من السبل الغنية لتكوين الذات واكتساب المعارف بغية تعزيز الذكاء الجماعي للبشرية وتعتمد هذه المبادرة على عملية تشاورية مفتوحة وواسعة النطاق تشمل الشباب والمربين والمجتمع المدني والحكومات وقطاع الأعمال والجهات المعنية الأخرى.

ويستحضر مفهوم «تعلَّم لتصبح الإنسان الذي تريد» أيضاً ضرورة تطوير القدرة على تصور حياة جيدة ومثمرة. فقد يظهر المستقبل، في نظر الكثيرين الذين يعيشون في ظروف الفقر والاستبعاد والنزوح والعنف، في جميع أنحاء العالم، على صورة مجموعة من الإمكانات المتقلصة أكثر مما يظهر على صورة عالم من الآمال والوعود. فحين تخيب تطلعات البشر، يصبح العالم في حالة معاناة. ونظراً إلى ما نشهده من تغيرات ناجمة عن أنشطة البشر في كوكبنا ومن إمكانيات حدوث تحولات جوهرية في التنظيم الاجتماعي والوعي البشري والهوية الإنسانية، يتعين على البشر إيلاء السؤال التالي الاهتمام: أيَّ إنسان تريد أن تصبح؟ فالمعرفة والتعلم يقعان في صميم التحولات التي تجري في عقول البشر وفي المجتمعات. ويدعونا شعار «تعلَّم لتصبح الإنسان الذي تريد» إلى أن نبلغ ما لم نبلغه من قَبل.

المسألة لن تتحقق بالسهولة التي نتصورها فهناك حقائق موجودة في الواقع لابد من تغيرها لتمهد السبيل لتحقيق تلك المبادرة.