كتب – عبدالرحمن صالح الدوسري:
حدثنا د.عيسى أمين في هذه الحلقة عن واحدة من الرحلات المهمة في تاريخ الجزيرة العربية التي جمعها جورج فوستر سادليير في كتابه المعنون «رحلة إلى الجزيرة العربية « وترجمه د.أمين إلى العربية، ويبدأ فيه الحديث متجولاً بين صفحاته عن المغامرات والصراعات التي تصدى لها الكاتب، ففي 1819 أرسل الكاتب جورج فورستر سادليير «من الجيش البريطاني في الهند» إلى الجزيرة العربية لمقابلة إبراهيم باشا القائد المصري الذي أرسله والده محمد علي باشا للقضاء على الحكم السعودي في الدرعية، وفي يونيو 1819 وصل سادليير إلى القطيف ومنها رافقته مجموعة صغيرة من الجنود المصريين، ثم اتجه غرباً وعبر الصحراء في طريقه لوسط الجزيرة العربية على أمل لقاء إبراهيم باشا، وفي طريقه إلى هذه المقابلة شاهد سادليير مدينة الدرعية التي هجرها أهلها بعد دخول إبراهيم باشا إليها وهدمت أجزاء كبيرة منها، وكان بذلك أول أوروبي يزورها، ووصل بعدها سادليير إلى عنيزة والتي أبلغ فيها بأن إبراهيم باشا كان في طريقه مع جيشه للمدينة، وفي أطرافها التقى سادليير إبراهيم باشا، وقدم له هدية الحكومة البريطانية في الهند «سيف مرصع»، وعرض عليه مساعدة الحكومة البريطانية في الهند لإكمال مشروعه العسكري في الجزيرة العربية، ومن معسكر إبراهيم باشا انتقل سادليير إلى ينبع في 20 سبتمبر 1819. لقد كان سادليير أول أوروبي يقطع الجزيرة العربية من الخليج العربي إلى البحر الأحمر في مدة استغرقت أكثر من ثلاثة أشهر ولم تماثلها رحلة أخرى إلا تلك التي قام بها هاري سانت جون فيلبي في 1917.


ضربة عسكرية بريطانية
يقول د.أمين مقدماً الكتاب «في عام 1818 قررت السلطات البريطانية في الهند ولندن توجيه ضربة عسكرية شاملة للقوة البحرية العربية في الخليج ومواقعها الساحلية التي أطلق عليها جزافاً «ساحل القراصنة»، كان القصد من هذه الحملة العسكرية التي كان سيشترك فيها الإنجليز مع إمام عمان وإبراهيم باشا هو إنهاء الوجود البحري العربي بأي ثمن وبأية طريقة، والعودة بالأوضاع البحرية في الخليج إلى عهد البرتغاليين، مع استبدال هذه القوة الأجنبية بسلطة جديدة هي سلطة الإنجليز، وتتحرك من أجل تنفيذ هذه الخطة السفينة إيدن «Eden»، في التاسع من يونيو 1818، من ميناء بليموث «Plymouth» في بريطانية، تحت قيادة القبطان فرانسيس إرسكين لوخ «Francis Erskine Loch»، متجهة إلى الخليج وتحمل تعليمات لندن للسلطات الإنجليزية في بومبي وكلكتا بصدد الحملة العسكرية المقررة.
وفي الرابع عشر من أبريل 1819 يستقل الكابتن جورج فورستر سادلير «George Forster Saddler «، من الفرقة السابعة والأربعين في الهند، السفينة التابعة لشركة الهند الشرقية ثيتس «Thesis» -ثيتس في الأدب اليوناني هي أم أخيلس- متجهاً إلى الخليج، ومن ثم إلى الجزيرة العربية لمقابلة إمام مسقط في عمان وإبراهيم باشا في الدرعية، حاملاً معه رسائل من السير إيفان نبيان بارت «Sir Evan Nape an Bart» إلى كل منهما يطلب فيها عقد حلف ثلاثي لضرب رأس الخيمة من البر والبحر، وتدمير الحلف السعودي القاسمي، وإنهاء ما سمي بقراصنة البر والبحر.
ومن مذكرات فرانسيس لوخ، وجورج سادليير، أي من البر والبحر، أحاول أن أنقل للقارئ أحداث تلك الفترة المهمة من تاريخ الخليج، والظروف السياسية التي أدت إلى اتفاقية 1820، للأمن البحري، التي وقعتها بريطانيا مع شيوخ ساحل الخليج العربي والبحرين.
قليلون يعرفون سادليير
في المدونات التاريخية الخاصة بالرحلات عبر الجزيرة العربية يقع اسم جورج فورستر سادليير في مكانة عالية وجليلة، ومع ذلك فإن القليلين من خارج دائرة «المؤرخين الجغرافيين» الضيقة يدركون أهمية رحلته أو سمعوا باسمه، وتكاد تكون معلوماتهم عن حياته معدومة تماماً، لقد نسي جورج سادليير بصورة عامة، وسقط اسمه من سجل الشخصيات المرموقة، ولكن بقيت لنا مذكراته عن «رحلته عبر الجزيرة العربية» .
ولد جورج سادليير في كورك Cork «أيرلندا الجنوبية» في التاسع عشر من يناير 1789 من أب إنجلو أيرلندي يدعى جيمس سادليير، وكان جورج الابن الثاني في هذه العائلة. أما عن أصل العائلة فهي من مقاطعة تبريري Tipperary وتحولت منها إلى شانون Shanon، ومن ثم إلى كلونا كيلتي، وبعدها إلى كورك – أما أمه فكانت جوانا Joanna ابنة جورج فورستر George Forster من كورك، وعمه «ريتشارد من تبريري» – Richard الذي تزوج ابنة -عمه أو خاله- جريس «Grace»، وكان له ابن يدعى نيكولاس «من دنبوين – القلعة – في مقاطعة مييث « «Nicholas of Dunboyne Meath».
وكان نيكولاس جرانبيل بيتلي «Earl Beatly» من جهة والدته. لقد كان جيمس من أحفاد جون سادليير « John Sadlier « الذي قدم إلى ستراتفورد اون افون – Stratford – on – Avon في القرن السابع عشر وتربطه صلة القرابة بـ هامنت سادليير « Hamnet Sadlier» وشكسبير وإلى نسيب الشاعر كويني « Quiney».
هاجر والد جورج سادليير إلى أيرلندا إبان الهجرات التي قام بها كرومويل «Cromwell»، وتبوأ مركز عمدة كورك في 1791، وكان عمه عمدة لنفس المقاطعة في 1785، ومحافظاً في 1815، ويبدو أن هذا المنصب بقي في العائلة لأن جورج سادليير شغل مركز العمدة في 1837 بعد تقاعده من الجيش، لقد كان الابن الآخر لهذه العائلة «ريتشارد» «Richard» قائداً في البحرية الملكية، وقد هاجر إلى أستراليا «سيدني»، وتوفي فيها عن عمر يناهز أربعة وتسعين عاماً.
في الرابع من أبريل 1805 التحق سادليير «البالغ السادسة عشرة عاماً»، بفرقة المشاة السابعة والأربعين، وكان بذلك قد قرر مصير»اثنتين وعشرين» عاماً من عمره للخدمة في الخارج، وبعد عام من الخدمة رقي إلى رتبة ملازم «1806» وبعدها بسبعة أعوام أخرى إلى «نقيب» في الفرقة نفسها في 1807 شارك في عملية الانسحاب إلى مونتفيديو «Montevideo» والحملة الفاشلة على بيونس ايرس «Buenos Aires»، وبطبيعة الحال لم يكن ذلك مشجعاً لجندي حديث الالتحاق بالقوات المسلحة، ويترك سادليير الفترة بين ديسمبر 1807 وحتى مايو 1812 فترة مهملة في مذكراته، بلا عنوان، فقد يدل على أنه كان ملتحقاً بالجيش»في الهند الشرقية»، ولكن وبالرجوع للملفات الخاصة بالفرقة السابعة والأربعين نجد أنها شاركت في حملة بحرية ضد القواسم في الخليج في 1809، وأقامت بعدها في بومبي -1810 – 1812- لتستقر في نهاية 1812 في بونا «Poona»، ومع هذا الاستقرار النهائي أتيحت الفرصة لسادليير ليبدي قدراته الحقيقية.
تدريب ضباط الجيش الفارسي
يواصل د.أمين الحديث عن رحلة فورستر «في إحدى الرسائل السرية الصادرة من بومبي والمحفوظة في «الملف الثاني لمكتب الهند للفترة 1804 – 1812» كتب الحاكم في بومبي بتاريخ الثالث من يونيو 1812 إلى «أصحاب الفخامة أعضاء اللجنة السرية التابعة لأصحاب الفخامة أعضاء مجلس الإدارة الخاص بالتجار وأرباب البحار المتاجرين في الهند الشرقية» يخبرهم بأنه استجابة لطلب السير جور اوسيلي -السفير في البلاط الفارسي- Sir Gore Ouseley، والذي يعرض فيه رغبته في إرسال ستة من الضباط وبعض الأفراد وعدد آخر من الضباط ، وذلك لتدريب الجيش الفارسي – ويذكر حاكم بومبي في رسالته بأن ضباط وأفراد القوة المطلوبة جاهزون للتحرك إلى فارس تحت إشراف وقيادة الملازم سادليير من فرقة صاحب الجلالة السابعة والأربعين، ويعود اسم سادليير مرة أخرى في المراسلات الخاصة بحكومة بومبي عندما يكتب السكرتير العام لحكومة بومبي في 25 يونيو إلى جيمس مورير James Morier - السفير في البلاط الفارسي ومؤلف حاجي بابا في أصفهان - يخبره بأن سادليير وكل الأفراد المرافقين قد غادروا على ظهر سفينة شركة الهند الشرقية - بنارس Benares ، والمتوجهة إلى فارس «ومن الممكن الاطلاع على المزيد من المعلومات من هذه البعثة العسكرية في كتاب كرزون فارس والقضية الفارسية» وكانت البعثة المذكورة نتيجة اتفاقية معقودة مع الشاه في 1809 تقوم بمقتضاها شركة الهند الشرقية بإرسال المطلوب من الضباط لتدريب الجيش الفارسي -1810 – 1815- مقابل مبالغ تم الاتفاق عليها.
ولكن لم يكن التنفيذ لهذا الاتفاق دون سلبيات قاتلة، إذ قتل اثنان من المبتعثين قبل سادليير -1810- بواسطة الفرس، وقتل الثالث بيد ضابط روسي في (1812) – بالفعل واجهت البعثة المخاطر وكانت بحاجة لقائد مثل سادليير -والذي برغم عدم ذكر اسمه حرفياً- أثنى كرزون في كتابه المذكور على إنجازاته والتزامه الذي أثار إعجاب الشاه -فتح على شاه 1797 – 1833 - وقام بمكافأته بسيف وبمرسوم ملكي يتم تعيينه على أساسه في رتبة رائد في الجيش الفارسي -عند نهاية البعثة 1815- ولتأكيد إعجاب الشاه قام صاحب السمو الملكي ولي العهد الحاكم العام لأذربيجان بتقديم السيف والرتبة إليه. وكان ذلك أحد أسباب إثارة انتباه رجل إنجلو أيرلندي آخر -اللورد هاستنج- -Lord Hasting- الحاكم العام والذي لم ينسه في أمور لاحقة.
في نفس الوقت تحتوي مراسلات «مكتب السجلات الأهلية» على رسالة من سادليير لجميس موريير 23 مارس 1815 يخبره فيها عن حل الفرقة السابعة والأربعين في الهند، وإحالة الضباط التابعين لها على المعاش ورغبته في العودة إلى إنجلترا عن طريق روسيا، ويعلق على ذلك قائلاً: إن هذه أقصر مسافة حيث تستغرق أربعة أشهر فقط.
سادليير تحت إدارة مالكولم
لم تتحقق رغبة سادليير في السفر عبر الأراضي الروسية لأننا اكتشفنا بعد ذلك رسالة أخرى من سادليير في بوشهر إلى موريير تعكس روحه العطوفة، ويطلب فيها المساعدة المادية لزوجة الجندي بير محمد وابنه - كان بير محمد جندياً في الفرقة المحلية السادسة وتوفي في الطريق إلى طهران - كانت تحركات هذه الفرقة قد ابتدأت في أول أبريل وتوفي اثنان من أفرادها في الطريق ووصلت البقية «ثلاثة وأربعون» إلى بوشهر في الخامس عشر من يونيو في طريقها إلى بومبي.
ورغم حل الكتيبة الثانية للفرقة السابعة والأربعين بقي سادليير يتقاضى نصف مرتبه الشهري بأمر من اللورد هاستنج الذي ألحقه بالكتيبة الأولى وشارك معها في العمليات العسكرية في «مالوا» في أواسط الهند، في الفترة ما بين - 1817 – 1818 - اشتغل سادليير في رتبة سياسية تحت إدارة السير جون مالكولم «Sir John Malcolm» والذي أثار انتباهه أيضاً لقدراته الإدارية.
وكانت الشهور الأربعة التي استغرقتها العمليات العسكرية في أواسط الهند من أهم الحقب الزمنية في تاريخ الإمبراطورية في الهند، وبعدها خضعت -بونا وناجبور وسنديا وبيرا- وأصبحت السيادة البريطانية في الهند في أوج مجدها.
في السنة التالية لهذه الأحداث العسكرية السياسية قطع سادليير الجزيرة العربية من شرقها إلى غربها الحدث الذي تميز به نشاطه العسكري وجهوده السياسية، كان هذا العبور هو الأول بالنسبة لأي أوروبي، ومضى قرن من الزمان قبل أن يعود أوروبي آخر للقيام به «رحلة الكابتن شكسبير في 1914 Captain Shakespear».
ويكتب د. ج. هوجارث في كتابه اختراق الجزيرة العربية «D. G. Hogarth The Penetration of Arabia» في عام 1904 فصلاً كاملاً عن رحلة سادليير مستخدماً مذكرات الأخير ومدوناته عن هذه الرحلة والتي جمعت في كتاب نادر «مذكرات الرحلة في القطيف على الخليج العربي إلى ينبع على البحر الأحمر في عام 1819» للكاتب الكابتن ج – فوستر – سادليير من فرقة صاحب الجلالة السابعة والأربعين، وتم جمعها في سجلات حكومة الهند وطبعت في مطبعة الجمعية التعليمية - بيكولا - بومبي 1866 - Byculla – Bombay- ، ويبدو أن هناك مقالة صغيرة عن هذه الرحلة نشرت في مجلة خاصة بإحدى الجمعيات الثقافية في بومبي «1821»، كان من الممكن أن تبقى هذه المذكرات طي النسيان.
وأن تعاني من عدم النشر لولا ذلك الاهتمام الخاص من قبل رحالة أوروبي آخر -تميزت شخصيته السياسية اللاهوتية بالغموض- ويدعى دبليو – جي – بلجراف «W. G. Belgrave» هذا الرحالة الأوروبي دخل نجد في عام 1862، وحاول اقتفاء أثر سادليير هناك، عندما طبعت مدونات الرحلة الخاصة بسادليير في «1866»، كان قد مضى على وفاته سبع سنوات، ولأهمية هذه المعلومات ربما نحاول اختصارها في المقدمة، ونبين الأسباب الرئيسة لهذه الرحلة إلى الجزيرة العربية، كانت السلطة في مصر بيد محمد علي باشا - فترة حكمه 1804 – 1849-، وكان أثناء فترة رحلة سادليير في السنوات الأولى من حكمه، ولكن لم يكن الباشا في مصر مستقلاً، إذ كان تابعاً لسلطان الأتراك مع رغبة خفية في الاستقلال.
محمد علي يتحالف مع الإنجليز
أبدى محمد علي في 1812 رغبته في التحالف مع الإنجليز، وكان يأمل أن يكون هذا التحالف عاملاً أساسياً في الاستقلال عن السيطرة التركية، ولكن لم تمر هذه الأمور دون ملاحظة السلطان في تركيا، والذي كان هدفه السيطرة على الأمور، ولذا أصدر مرسوماً لمحمد علي للاستعداد لدخول الجزيرة العربية في حملة عسكرية يشغله فيها ويحتوي القوة الجديدة الصاعدة في الجزيرة العربية في نفس الوقت، كانت القوة المذكورة الوجه السياسي العسكري لدعوة التوحيد والعودة إلى السلف والتي تزعمها محمد بن عبدالوهاب 1750، وكان لتحالف الدين مع السياسة -حلف محمد بن سعود في الدرعية ومحمد بن عبدالوهاب- آثار عظيمة أدت إلى إرسال موجات من الاضطراب والقلق تجاه القوي المجاورة، ونتيجة لهذا الحلف خضع الحجاز وهوجمت كربلاء ودخلت الجيوش الحليفة إلى مكة والمدينة، ودخل محمد علي باشا وابنه طوسون حروباً تميزت بالنصر والهزيمة (1811 – 1817)، ولكن بقيت في النهاية الدرعية -عاصمة القوة الجديدة- صامدة ضد هذه الأعمال العسكرية.
وفي 1816 لم يجدد محمد علي باشا الاتفاقية الموقعة بين ابنه طوسون وسكان الجزيرة العربية، وفي نفس العام استلم إبراهيم باشا -البالغ ستة وعشرين عاماً- قيادة القوات المصرية –وكان أول عمل عسكري له محاصرة الدرعية في «1818» ثلاثة أشهر حتى سقطت المدينة الصامدة– في هذه الظروف المذكورة تأتي أهمية رحلة سادليير إلى الجزيرة العربية، لقد وقع اختيار اللورد هستينج على سادليير لنقل تهاني النصر وسيف الفخار لإبراهيم باشا في الجزيرة العربية، وبرغم بعد الإنجليز عن أي من الطرفين المتصارعين على أرض الجزيرة واستحالة اهتمامهم بالأسباب المذهبية للصراع إلا أن حكام بومبي كانوا راغبين في عقد الصداقة مع الطرف المنتصر، ولكن ولغاية الآن تبقى الأسباب الحقيقية خافية ولم يتم تدوينها بصورة كاملة.
ومع ذلك تذكر لنا بعض المراسلات المتبادلة بين الحاكم العام ورئيس المجلس الحاكم في بومبي «7 نوفمبر 1818» رغبة الحاكم العام في دعوة إبراهيم باشا للمشاركة في هجوم على «موانئ القراصنة» الواقعة على الساحل الجنوبي للخليج، وذلك بسب عدم تمكن الحكومة في الهند -لظروف لا ندركها- من إرسال قوة تأديبية كبيرة قبل صيف «1819» وتقول إحدى هذه المراسلات «نقترح اتخاذ الإجراءات لدعوة إبراهيم باشا للمشاركة في الأعمال العسكرية ضد رأس الخيمة، مركز القراصنة القوي، بحيث تكون مسؤوليتنا في الحصار والتدخل على أن يقوم الجيش التركي -جيش إبراهيم باشا- بالتغطية»، وفي رسالة أخرى -بعد سقوط الدرعية- يذكر السكرتير العام لحكومة البنغال إلى سكرتير حكومة الهند -2 يناير 1819- «يرغب صاحب السعادة أن ننتهز فرصة الأخبار السارة وأن نرسل التهاني لإبراهيم باشا، وذلك التزاماً منا بمواصلة الاتصالات التي بدأناها مع والده باشا مصر –بين الحاكم العام ومحمد علي باشا-».
تهنئة إبراهيم باشا بالإنجليزية
واعترض السكرتير العام على صياغة الرسالة المذكورة باللغة الفارسية وأثار السؤال في مخاطباته قائلاً «لماذا الفارسية»؟ وبناء عليه صيغت الرسالة باللغة الإنجليزية وأرسل معها سيف يليق بمقام إبراهيم باشا. في هذه الرسالة كتب ماركيز هستينج -Marquis of Hastings- مباركاً انتصارات إبراهيم باشا وسقوط الدرعية – ومبدياً معرفته ببعض التقارير التي تؤكد رغبة إبراهيم باشا في مواصلة أعماله العسكرية ضد القبائل العربية ذات النشاط البحري والمقيمة على سواحل الخليج، ويواصل قائلاً إن أعمال القراصنة والاعتداءات التي تقوم بها هذه القبائل، وخاصة «القواسم» قد أساءت لمكانة التجارة البريطانية وموقعها المتميز وسببت الأضرار للحكومة البريطانية، ولذا فإنه يقترح «جهوداً مشتركة بين الحكومتين للقضاء على هذه القبائل».
لقاء بين سادليير وإمام مسقط
في الثالث عشر من أبريل 1819 تلقى سادليير رسالة من السير إيفان نبيان Sir Evan Napean حاكم بومبي يخبره فيها بالاستعداد للسفر على ظهر سفينة الشركة الجليلة «البارجة Thetis ذات الأربعة عشر مدفعاً»، على أن ينزل على الساحل العربي، وذلك من أجل تهنئة إبراهيم باشا بسقوط الدرعية ومحاولة الحصول على اتفاق معه من أجل إلحاق الهزيمة الشاملة إذا ما ارتأى صاحب السعادة «إبراهيم باشا» أن ذلك ممكن، مع توصيات لسادليير بأن يحاول الحصول على معلومات من إبراهيم باشا عن خططه المستقبلية دون إثارة أية شكوك لديه هذا إلى جانب ترتيب لقاء بين سادليير وإمام مسقط من أجل وضع خطة للتعاون بينه وبين الإنجليز في الهند.
وحاولت حكومة الهند فتح قنوات اتصال مع إبراهيم باشا في الجزيرة العربية دون الرجوع لحكومة لندن أو أية اتصالات مسبقة مع الباشا في مصر، لقد كانت خطة فاشلة منذ البداية وبعثة لا جدوى منها، إذ لم يكن محمد علي باشا مستعداً في أي حال من الأحوال لدعم الوجود الإنجليزي في الخليج، وكذلك كان الوضع بالنسبة لابنه إبراهيم باشا الذي دمر كل شيء في طريقه ودك الدرعية، وقرر بعدها الانسحاب من نجد والعودة إلى مصر عن طريق المدينة ومكة والتمتع بالغنائم والنصر الذي حققه على أرض الجزيرة.
لقد كان انسحاب الجيش المصري إلى الاتفاق المطلوب، ومع ذلك وكما يذكر هوجارث -Hogarth- في كتابه اختراق الجزيرة العربية بقي سادليير وحيداً حاملاً السيف والرسالة لإبراهيم باشا وبإصراره على المضي في مأموريته أصبح أول أوروبي يعبر الجزيرة العربية، وأول رحالة دون لنا مشاهداته في نجد، غادر سادليير بومبي في 14 أبريل 1819 واستغرقت رحلته لمسقط ما يقارب ثلاثة أسابيع (7 مايو 1819) – ويعتقد كل من فيلبي وهوجارث بأن إمام مسقط كان من ضمن القائمة التي قرر محمد علي باشا إنهاء سلطتها في الجزيرة العربية، ولكن هناك شواهد ومدونات تدل على رأي مخالف لذلك، وتؤكد الصداقة المتينة التي كانت قائمة بين محمد علي باشا وإمام مسقط وتبين أن نشاط إبراهيم باشا العسكري في المنطقة الشرقية لم يكن موجهاً على أية حال ضد: «آل بوسعيد» في عمان.
في الحقيقة كانت جزيرة البحرين، ومن يسيطر عليها هي العقبة الرئيسة في قيام أي اتصال بين إبراهيم باشا وإمام مسقط، لقد كانت هذه الجزيرة مستهدفة من قبل الإمام عدة مرات سابقة، وكان قلقه من سيطرة إبراهيم باشا عليها هو العائق الحقيقي في قيام أي نوع من التعاون بينه وبين الأخير.. والسبت القادم نكمل تفاصيل كتاب: «رحلة عبر الجزيرة العربية» مع د عيسى أمين».