أن تكتب مقالاً تدعو من خلاله إلى التهدئة ويأتي من يثني على ما كتبت ودعوت إليه يداخلك الفرح، لكن أن يثني عليه كثيرون فهذا يعني أن الكثيرين يتمنون التهدئة بغية الوصول إلى مخرج للمشكلة التي صرنا فيها، ويعني أن المواطن البحريني وصل إلى مرحلة صار يضج فيها من هذا الذي يحدث ويرفض كل ما يعيق التهدئة ويعتبر مواقف كل الأطراف ذات العلاقة مبالغات تزيد المشكلة تعقيداً وتتسبب في تأخر البحرين عن الركب.
لم يعد المواطن البحريني يحتمل هذا الذي يحدث ودخل سنته الخامسة، لذلك فإنه يرتاح من كل دعوة تشعره بأن باباً لايزال مفتوحاً للخروج من هذه الأزمة فيثني عليها ويتعلق بالأمل.
اليوم وصلنا إلى مرحلة صار الجميع فيها مقتنعاً بأن الاستمرار في هذه الحال يعني خسارة الجميع وتضرر الوطن ومستقبله، ومن يعتقد أن النهاية ستشهد تتويجاً لمنتصر فهو دونما شك مخطئ. الانتصار هو انتصار الوطن، وهذا الانتصار لا يمكن أن يأتي إلا إن توقف الجميع برهة وتلفتوا حولهم ليروا ما الذي فعلوه في أنفسهم وسارعوا إلى وضع نقطة في نهاية السطر.
إيهام طرف من الأطراف نفسه بأن النصر حليفه فيه ظلم كبير للوطن وتجن عليه، واعتقاد طرف من الأطراف أنه سيهزم الآخر اعتقاد لا مقابل له في الواقع. في حالنا لا يمكن أن يهزم طرف طرفاً ولا يمكن أن تشهد النهاية انتصاراً لهذا أو ذاك. في حالنا لا حل إلا في اتخاذنا التهدئة سبيلاً للوصول إلى حيث يمكن أن نجد مفتاح الباب الذي منه يمكن أن نلج إلى المساحة التي كنا فيها قبل أن يجري علينا ما جرى.
ليس الحديث هنا عن «المعارضة» فقط؛ ولكنه عن الحكومة أيضاً التي عليها تحمل عبء الوصول إلى التهدئة والنظر في كل ما يعين على هذا الأمر، وهذا يعني أن على الطرفين تقديم التنازلات وعدم اعتبارها تقليلاً من الشأن، فليس في الانتصار للوطن تقليل من شأن ولا إضعاف لموقف.
ما يجري حالياً يعتبر تصعيداً، والتصعيد لا يزيد المشكلة إلا تعقيداً، وتعقد المشكلة فيه إضرار بالوطن، حيث الظروف التي تمر بها المنطقة تحتم التهدئة كي لا يتضرر الجميع، والانحناء للريح حتى تمر هو أسلوب العاقل وليس الضعيف.
ما يدور حولنا وقريباً من دارنا يتطلب منا أن نصير جميعاً كتلة واحدة كي نتمكن من حماية وطننا، وكي نصير كتلة واحدة علينا أن «نهدئ اللعب» قليلاً ونعيد ترتيب أولوياتنا. لا يمكن أن نواجه ما يجري في المنطقة ونحن مشغولون ببعضنا البعض ونسعى إلى تحقيق الانتصارات في المعارك الصغيرة.
اليوم بإمكان «المعارضة» أن تقدم الكثير من التنازلات، وبإمكان الحكومة كذلك أن تقدم الكثير من التنازلات. تأكيد «المعارضة» بأنها لا تدعو إلى إسقاط النظام وإنما إلى الإصلاح وتحسين الأحوال المعيشية من شأنه أن يشجع الحكومة على تقديم الكثير الذي بدوره يمكن أن يشجع «المعارضة» على تقديم الكثير أيضاً. وتأكيد الحكومة على أن «الحقوق محفوظة» من شأنه أن يشجع «المعارضة» على تقديم الكثير الذي بدوره يمكن أن يشجع الحكومة على تقديم تنازلات أخرى.
من دون هذا ستستمر المشكلة وستزداد تعقيداً وسيضعف موقف الجميع وسيفتح الباب للخارج للولوج إلى الداخل، والدخول من ثم في صراعات لا طاقة لنا فيها ولا مصلحة.
ما يجري في المنطقة فرصة لجميع الأطراف ذات العلاقة كي تتحد لحماية الوطن. ليس هذا تهويلاً ولكنه حقيقة ينبغي من العقلاء أن ينتبهوا لها وأن يحرضوا كل ذي علاقة على فعل كل ما يفضي إلى هذا الطريق.