ما الذي يجعل لفيلم مثل «The king speech» كل هذا الرونق ويشد مشاهديه لمقاعدهم قرابة الساعتين؛ كأنهم مسحورون؟ الفيلم حصل على 4 جوائز أوسكار عام 2011، رغم أنه ليس من أفلام الأكشن أو الأفلام الرومانسي، وليس مقتبساً عن أحد الأعمال الأدبية الرفيعة، ولكنه فيلم واقعي.
يحكي الفيلم قصة وصول الملك جورج السادس لكرسي الحكم في بريطانيا بعد تنازل أخيه الأكبر عن العرش، مما وضع الملك جورج السادس في مأزق لا يحسد عليه، إذ لم يكن مستعداً لذلك، وكان يعاني تعثراً في الكلام، خصوصاً عند الحديث علناً، فكان صوته دائماً ما يحرجه، ومن سوء حظه أن تكون مرحلة حكمه هي من أهم المراحل وتحمل تغييرات كبيرة في طريقة التواصل، الملك والحكام عموماً مع شعوبها.
وبعد ظهور الراديو؛ أصبح مطلوباً من الملك أن يخاطب شعبه، خصوصاً في الأوقات الحرجة التي تمر بها البلاد أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهذا ما جعل الملك يبحث عمن يعالجه من الرهاب، لأن التحدث بمهارة أصبح واحدة من من أهم الصفات المطلوبة فيه، حيث وجد هو وزوجته في الدكتور ليونيل لوغ الطريق لتخليص الملك من عقدته.
لو رجعنا في التاريخ العربي إلى الوراء أيام سوق عكاظ، والذي كان ميداناً ومنبراً للخطباء المفوهين وشعرائهم المجيدين يجتمعون كل عام يعرضون فيه بلاغة بيانهم وفصاحة ألسنتهم وخلاصة أفكارهم، فكان لدى العرب الخطابة والفصاحة والتحدث بطلاقة، كذلك قوة الإقناع والتأثير وإبراز الحجج وكسب المواقف.
في عصرنا الحديث لم تتوقف الخطابة وإنما تعدت أشكالها، حيث أصبح التواصل الشفوي مع الجمهور يقوم على التواصل والاتصال مع وجود مدرب، وهذا ما فطن له الدكتور رالف سميدلي عام 1924، حينما كان يعمل في جمعية شبابية، حيث لاحظ أن الشباب يحتاجون إلى مهارة الخطابة ورئاسة الاجتماعات والقيادة والمقابلات الشخصية للعمل والتواصل بين الموظفين وطرح الآراء بدبلوماسية وعرض الحجج والبراهين وتعليمهم فن الاستماع والانصات والتحكم بالصوت والانفعالات أثناء التواصل الشفوي، فأسس المنظمة العالمية للتوست ماستر للشباب والشابات لتعلم فنون الحوار والتفكير السليم الذي يجعل الشباب يفكرون 100 مرة قبل الخوض والانجرار وراء الأحزاب أو التكتلات السياسية، أي لتنوير بصيرتهم وخلق جو الإبداع في مهارات التواصل والقيادة.
البحرين كانت، كالعادة، السباقة في هذه الأمور، فبدأت أندية التوست ماستر عام 1964، وتوالت الأندية الأخرى للجاليات الموجودة، وكان أول ناد هو نادي المنامة للتوست ماستر باللغة الإنجليزية، لكن أول ناد انطلق بالبحرين ناطق باللغة العربية كان عام 2008، وهو نادي أفق وجمع بين الرجال والسيدات.
بعد أزمة البحرين عام 2011 ارتأينا ضرورة وجود نادي توست ماستر نسائي ناطق باللغة العربية، فكانت انطلاقة نادي نور البحرين، حيث عقد مؤتمرين لدول مجلس التعاون للخطابة، وفاز النادي بالعديد من الجوائز والمراكز الأولى، حيث رفع علم البحرين في المسابقات الإقليمية والخليجية، وذلك إيماناً منه بضرورة دعم شابات البحرين للتحدث باللغة العربية البيضاء، فكان النادي حاضناً للشابات من الناحية اللغوية والمفردات والحجج وطريقة الحوار وترتيب الأفكار ومواجهة الجمهور بفنون الحجج والثقة، مدافعين عن حقوقهم وعن آرائهم والحرص على إلهام الجمهور بأفكارهم وإبداعاتهم في أي محفل.
ومما أثلج صدورنا جميعاً دعوة الشيخ ناصر بن حمد لإقامة مسابقة للمناظرات لما لها من مردود على تنمية الفكر والحوار لدى الشباب، ونتمنى من هؤلاء الشباب أن يكونوا أول المنطلقين من هذه الأندية، كذلك أن تقوم الحكومة، سواء وزارة الشباب والرياضة أو المؤسسات ذات العلاقة، بدعم هذه الأندية حتى يكونوا أهلاً للمشاركة في مسابقات المناظرات، ونأمل أن تقوم وزارة التربية باحتضان مشروع التوست ماستر للخطابة والتواصل الشفوي، حتى يتم خلق جيل واع مثقف ومفكر، ليكون مؤهلاً مستقبلاً ليكون قيادياً ومتحدثاً لبقاً مدافعاً عن وطنه.