لطالما يتم اتهام الذين يقفون ضد ما يسمى بميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق بالطائفية، وأنهم من أنصار تنظيم الدولة «داعش»، وأنهم تكفيريون، لمجرد أن خرجت آراء تتهم هذا الحشد بارتكاب جرائم طائفية ضد الإنسانية في حق مكون أصيل من الشعب العراقي.
نظرة «الحشد الشعبي» ومن يواليهم أن هؤلاء المقاتلين يخوضون حرباً شرسة ضد «داعش»، وأن علينا جميعاً أن نقف معهم لا ضدهم، وندعو لهم بالنصر، ولكن ما نراه وما تراه الأمم المتحدة وكثير من المنظمات الحقوقية سواء داخل أو خارج العراق يجعلنا لا نقف مع الحشد وأنصاره، بل ضده، حتى وإن طبق الحشد وأنصاره قاعدة «إن لم تكونوا معي فأنتم ضدي»، أي إما أن تكون «حشدياً» أو «داعشياً تكفيرياً».
ولكن ماذا سيقول من يظن يقيناً أن «الحشد الشعبي» هو حشد مبارك ومؤتمن بعد التصريح الصحافي للأمين العام لميليشيا «عصائب أهل الحق» العراقية قيس الخزعلي لوكالة «تسنيم» الإيرانية مؤخراً، وأقتبس منه التالي: «قوات الحشد الشعبي لن تتوقف في الموصل -بعد تحريرها- بل ستدخل إلى سوريا بالتنسيق مع نظام بشار الأسد، وستواصل قتالها إلى أن يظهر المهدي المنتظر»، انتهى.
كيف يمكن تفسير هذا التصريح «العرمرمي» من مسؤول منضوٍ تحت مظلة «الحشد الشعبي»؟! في اعتقادي أن هذا التصريح لا ينم سوى عن طائفية بغيضة يراد بها استمرار «الحشد» في إبادة مكون أساسي في العراق وهو الطائفة السنية، تحت مسمى القضاء على الإرهاب، بل إن هذا الحشد لم يكتفِ بما فعله في مناطق بالعراق مثل الفلوجة والموصل والأنبار وتكريت وغيرها، بل انتقل ليقاتل ضمن صفوف بشار الأسد، فكان لهذا «الحشد» أدوار في قتل أهل حلب وتشريدهم من مناطقهم، مع عصابات الأسد و«حزب الله» وإيران وروسيا، مخلفين وراءهم مآسي إنسانية لا يمكن تصورها، بل وصفتها سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة سامنثا باور بـ«الانهيار التام للإنسانية».
كل ذلك الجرم يرتكب باسم «القضاء على الإرهاب»، أو القضاء على ما يسمى بـ«داعش»، ونحن لسنا ضد ذلك متى ما اقترن الحديث الصادق بالفعل الصحيح، لأن ما قرأناه وشاهدناه من مواقع كثيرة من جرائم «الحشد» الطائفية ضد الإنسانية، يجعلنا لا نصدق كل ما ينطق به مسؤولوه، ولا نقول ذلك من هوى أنفسنا، ولكن سبقنا العديد من الجهات، نظرت إلى هذا الحشد فوجدته أنه تجمع يمارس الجرائم تحت غطاء القضاء على الإرهاب.
إن الاتهامات التي وجهتها العديد من الجهات من داخل وخارج العراق بشأن انتهاكات وجرائم الحشد ضد الإنسانية كثيرة، فقد اتهم هذا الحشد من قبل أطراف عراقية وغير عراقية، مثل هيئة علماء المسلمين في العراق، والمركز الوطني للعدالة، ومنظمات حقوقية وهيئات دولية على رأسها الأمم المتحدة، كل تلك المنظمات اتهمت «الحشد» بارتكاب جرائم عدة على خلفية طائفية ضد المدنيين السنة خلال الفترة ما بين 2014 و2016، تنوعت بين التعذيب والإخفاء القسري وقتل مدنيين وأسرى تحت التعذيب ونهب مدن وبلدات وحرق مساجد ونسف آلاف المنازل والمحلات.
تلك التهم لم تأتِ اعتباطاً فلا يوجد دخان من غير نار، ولا يوجد أبلغ من تصريح الخزعلي الذي يحاول من خلاله الضحك على الذقون، ويستغل الحرب على الإرهاب لارتكاب المزيد من القتل والتشريد سواء في العراق أو في سوريا وآخرها حلب، فجرائم «الحشد الشعبي» لا تقل فظاعة عن نظام بشار الأسد بمعاونة ما يسمى بـ«حزب الله» فجمعيهم ينفذون أوامر نظام قائم على الكراهية والإقصاء والقتل لكل من يخالفه الرأي والتوجه، وأعني هنا النظام الإيراني.
«الحشد الشعبي» وبعد أن صبغ بالصفة بالرسمية من البرلمان والحكومة العراقية قبل نحو شهرين، ومنح بذلك درجة الشرعية مع مرتبة الجرم مكرراً «سبقه حزب الله»، وكأن هذا الاعتراف مكافأة للحشد عن جرائمه، لكن ما يلفت الانتباه أن بعضاً من مسؤوليه لايزالون يتحدثون باسمه وليس باسم القوات المسلحة العراقية التي من المفترض أن ينضوي الحشد تحت مظلتها كما جاء في قانون تنظيم هذا الحشد، فهل يعني ذلك أن الحكومة العراقية أو القوات المسلحة فقدت سيطرتها على هذا الحشد الشعبي؟ -ولا أظنها كانت ممسكة بزمامه من قبل أصلاً- أو ربما أنه لايزال يتلقى أوامره من إيران كما هو الحال عند رفاق «الحشد» وأعني «حزب الله»؟!