لن يتوقف الحديث عن الضربة الصاروخية الأمريكية التي وجهها الرئيس دونالد ترامب إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في قاعدة الشعيرات الجوية شرق مدينة حمص، ليس باعتبارها فقط مفاجأة من العيار الثقيل، أصابت الحلفاء والأعداء بالذهول والدهشة، لكن يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك باعتبارها عودة لهيبة أمريكا في الشرق الأوسط بعد ثماني سنوات من حكم إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، نأت خلالها أمريكا بنفسها عن التدخل وحسم كثير من القضايا المصيرية، إضافة إلى أن تلك الضربة تعد تحولاً نوعياً في ملف الأزمة السورية وتمثل مواجهة أمريكية روسية مباشرة على المذبح السوري. ولا شك في أن ترامب استطاع أن يؤدب الأسد وحلفاءه خاصة روسيا وإيران بشن تلك الضربة رداً على المذبحة الكيميائية لجيش الأسد في بلدة خان شيخون في إدلب شمال غرب البلاد، والتي راح ضحيتها نحو 100 شخص بينهم عشرات الأطفال إضافة إلى إصابة المئات.

وقد استهدفت الضربة العسكرية الأمريكية غير المسبوقة القاعدة الجوية التي انطلق منها الهجوم الكيميائي لقوات النظام على خان شيخون، ولذلك يفهم من الضربة كيف استطاع ترامب أن يرسل رسالة إلى العالم أجمع مفادها أنه يستطيع أن يفاجئ الجميع في قراراته، وفي تحولات مواقفه، وهذا ما أعلنه المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر حينما أكد أن «الضربة الجوية الحازمة والمبررة والمناسبة رسالة قوية لبقية العالم»، خاصة بعد تصريحات مسؤولين في إدارته أشارت إلى أن «إسقاط الأسد ليس أولوية وأن الشعب السوري هو من يقرر مصيره»، وهو ما فهم على أنه تراجع في دعم المعارضة السورية المعتدلة، وإطلاق العنان لنظام الأسد وحلفائه لفعل ما يحلو لهم، لكن بعد ساعات من هجوم جيش النظام بغاز السارين السام على بلدة خان شيخون انصاع ترامب لنصائح مستشاريه في المخابرات الأمريكية بعدما قدموا له أدلة دامغة على ضلوع نظام الأسد في المذبحة الكيميائية، وقرر ضرب قاعدة الشعيرات الجوية من خلال السفينتين الحربيتين بورتر وروس، اللتين أطلقتا 59 صاروخاً من طراز توماهوك شرق البحر الأبيض المتوسط، بينما كان ترامب ينتهي من تناول العشاء مع نظيره الصيني شي جينبينغ. ولا يمكن تجاهل ذلك الأمر بالمرة، فلم يكن من قبيل الصدفة، خاصة وأن من بين بنود جدول أعمال القمة الأمريكية الصينية في فلوريدا، البرنامج النووي الكوري الشمالي وسبل التصدي له.

وهذا ما يفسر تصريحات وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون عندما قال عشية الضربة الصاروخية الأمريكية «أعتقد أن هذا يظهر أن الرئيس ترامب على استعداد للتحرك عندما تتجاوز الحكومات وأطراف أخرى الحدود، من الواضح أن الرئيس ترامب بعث بهذه الرسالة للعالم».

وربما التفسير المحدود والعقيم وقصير المدى لإدارة الأسد لتصريحات المسؤولين في إدارة ترامب حول إمكانية تركه في السلطة، واحتمالية تعاون البيت الأبيض والكرملين في قتال تنظيم الدولة «داعش» هو ما دفع الأول لارتكاب خطيئته الكبرى في خان شيخون، ظناً منه أنه لن يكون هناك رد فعل أمريكي، لكن الأسد وحلفاءه أخطؤوا قراءة الواقع والسياسة الأمريكية الجديدة بغباء منقطع النظير، فكانت الضربة القاسية المفاجئة بمثابة التحذير القوي لإيران وروسيا وقبلهما دميتهما بشار الأسد، ولردعه عن استخدام السلاح الكيميائي مرة أخرى، ولذلك ربما لم تبالغ وسائل الإعلام الغربية في مدح تلك الضربة والإشادة بها، حيث وصفت صحيفة «التايمز» البريطانية ترامب بأنه «راقص باليه رائع، أدى رقصة البيرويتي الروسية في الشرق الأوسط بأداء متميز، فضلاً عن أنه نفذ نقلة شطرنج سيكون لها صدى في روسيا وإيران وكوريا الشمالية والصين».

ولا شك في أن ضربة ترامب تعد تأديباً لجيش الأسد وإيران وروسيا طالما ارتضت الأخيرتان أن تحميا مجرم حرب يستخدم الغاز السام لقتل المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، ناهيك عن أن موسكو تشعر بإهانة كبيرة خاصة وأنها تروج منذ أكثر من سنتين بأنها تسيطر على الأجواء السورية، وما زاد الأمر سوءاً تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأنه تم استهداف قاعدة الشعيرات الجوية وبها عناصر روس، فيما تحدثت تقارير حول إبلاغ واشنطن لموسكو ونظام الأسد بالضربة الصاروخية!

وبالرغم من أن مسؤولين أمريكيين أشاروا إلى أن الهدف من الضربة ليس السعي لتغيير النظام بقدر ما هو حث الأسد على تغيير سلوكه، إلا أن تصريحات المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي نيكي هايلي التي اتهمت إيران وروسيا مباشرة بدعم الأسد لإخفاء جرائمه، تثبت أن واشنطن لن تدع الأسد يتمتع بالحماية وأن بلادها على استعداد لتوجيه ضربات أخرى ضد مواقع لنظام الأسد من أجل ردعه، وهو ما يشير إلى تحولات في ملف الأزمة السورية خلال الفترة المقبلة.

* وقفة:

يترقب العالم ردة فعل «أسد العروبة» على الضربة الأمريكية الساحقة في «الشعيرات» تأديباً على مذابح «محور المقاومة» في خان شيخون!!